للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلّا البسيط فإذا تزايدت حضارتها ودعت أمور التّرف فيها إلى استعمال الصّنائع خرجت من القوّة إلى الفعل. وتنقسم الصّنائع أيضا إلى ما يختصّ بأمر المعاش ضروريّا كان أو غير ضروريّ وإلى ما يختصّ بالأفكار الّتي هي خاصيّة الإنسان من العلوم والصّنائع والسّياسة. ومن الأوّل الحياكة والجزارة والنّجارة والحدادة وأمثالها. ومن الثّاني الوراقة وهي معاناة الكتب بالانتساخ والتّجليد والغناء والشّعر وتعليم العلم وأمثال ذلك. ومن الثّالث الجنديّة وأمثالها. والله أعلم.

[الفصل السابع عشر في أن الصنائع إنما تكمل بكمال العمران الحضري وكثرته]

والسّبب في ذلك أنّ النّاس ما لم يستوف العمران الحضريّ وتتمدّن المدينة إنّما همّهم في الضّروريّ من المعاش وهو تحصيل الأقوات من الحنطة وغيرها. فإذا تمدّنت المدينة وتزايدت فيها الأعمال ووفت بالضّروريّ وزادت عليه صرف الزّائد حينئذ إلى الكمالات من المعاش. ثمّ إنّ الصّنائع والعلوم إنّما هي للإنسان من حيث فكره الّذي يتميّز به عن الحيوانات والقوت له من حيث الحيوانيّة والغذائيّة فهو مقدّم لضروريّته على العلوم والصّنائع وهي متأخّرة عن الضّروريّ.

وعلى مقدار عمران البلد تكون جودة الصّنائع للتّأنّق فيها حينئذ واستجادة ما يطلب منها بحيث تتوفّر دواعي التّرف والثّروة. وأمّا العمران البدويّ أو القليل فلا يحتاج من الصّنائع إلّا البسيط خاصّة المستعمل في الضّروريّات من نجّار أو حدّاد أو خيّاط أو حائك أو جزّار. وإذا وجدت هذه بعد فلا توجد فيه كاملة ولا مستجادة وإنّما يوجد منها بمقدار الضّرورة إذ هي كلّها وسائل إلى غيرها وليست مقصودة لذاتها. وإذا زخر بحر العمران وطلبت فيه الكمالات كان من جملتها التّأنّق في الصّنائع واستجادتها فكملت بجميع متمّماتها وتزايدت صنائع

<<  <  ج: ص:  >  >>