للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السّلطانيّة جائزة في الغالب إذ العدل المحض إنّما هو في الخلافة الشّرعيّة وهي قليلة اللّبث قال صلّى الله عليه وسلّم: «الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثمّ تعود ملكا عضوضا» . فلا بدّ حينئذ لصاحب المال والثّروة الشّهيرة في العمران من حامية تذود عنه وجاه ينسحب عليه من ذي قرابة للملك أو خالصة له أو عصبيّة يتحاماها السّلطان فيستظلّ هو بظلّها ويرتع في أمنها من طوارق التّعدّي. وإن لم يكن له ذلك أصبح نهبا بوجوه التّخيّلات وأسباب الحكّام [١] . وَالله يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ١٣: ٤١.

[الفصل السابع عشر في أن الحضارة في الأمصار من قبل الدول وأنها ترسخ باتصال الدولة ورسوخها]

والسّبب في ذلك أنّ الحضارة هي أحوال عاديّة زائدة على الضّروريّ من أحوال العمران زيادة تتفاوت بتفاوت الرّفه وتفاوت الأمم [٢] في القلّة والكثرة تفاوتا غير منحصر وتقع فيها عند كثرة التّفنّن في أنواعها وأصنافها فتكون بمنزلة الصّنائع ويحتاج كلّ صنف منها إلى القومة عليه والمهرة فيه وبقدر ما يتزيّد من أصنافها تتزيّد أهل صناعتها ويتلوّن ذلك الجيل بها ومتى اتّصلت الأيّام وتعاقبت تلك الصّناعات [٣] حذق أولئك الصّنّاع في صناعتهم ومهروا في معرفتها والأعصار بطولها وانفساح أمدها وتكرير أمثالها تزيدها استحكاما ورسوخا وأكثر ما يقع ذلك في الأمصار لاستجار العمران وكثرة الرّفه في أهلها. وذلك كلّه إنّما يجيء من قبل الدّولة لأنّ الدّولة تجمع أموال الرّعيّة وتنفقها في بطانتها ورجالها وتتّسع أحوالهم بالجاه أكثر من اتّساعها بالمال فيكون دخل تلك الأموال من الرّعايا وخرجها في


[١] وفي النسخة الباريسية: الحكم.
[٢] وفي النسخة الباريسية: تفاوت الأمر.
[٣] وفي النسخة الباريسية: الصبغات.

<<  <  ج: ص:  >  >>