سمّاه سراج الملوك وكلامه لا يتناول تأسيس الدّول العامّة في أوّلها وإنّما هو مخصوص بالدّول الأخيرة بعد التّمهيد واستقرار الملك في النّصاب واستحكام الصّبغة لأهله فالرّجل إنّما أدرك الدّولة عند هرمها وخلق جدّتها ورجوعها إلى الاستظهار بالموالي والصّنائع ثمّ إلى المستخدمين من ورائهم بالأجر على المدافعة فإنّه إنّما أدرك دول الطّوائف وذلك عند اختلال بني أميّة وانقراض عصبيّتها من العرب واستبداد كلّ أمير بقطرة وكان في إيالة المستعين بن هود وابنه المظفّر أهل سرقسطة ولم يكن بقي لهم من أمر العصبيّة شيء لاستيلاء التّرف على العرب منذ ثلاثمائة من السّنين وهلاكهم ولم ير إلّا سلطانا مستبدّا بالملك عن عشائره قد استحكمت له صبغة الاستبداد منذ عهد الدّولة وبقيّة العصبيّة فهو لذلك لا ينازع فيه ويستعين على أمره بالأجراء من المرتزقة فأطلق الطّرطوشيّ القول في ذلك ولم يتفطّن لكيفيّة الأمر منذ أوّل الدّولة وإنّه لا يتمّ إلّا لأهل العصبيّة فتفطّن أنت له وافهم سرّ الله فيه وَالله يُؤْتِي مُلْكَهُ من يَشاءُ ٢: ٢٤٧.
[الفصل الثالث في أنه قد يحدث لبعض أهل النصاب الملكي دولة تستغني عن العصبية]
وذلك أنّه إذا كان لعصبيّة غلب كثير على الأمم والأجيال وفي نفوس القائمين بأمره من أهل القاصية إذعان لهم وانقياد فإذا نزع إليهم هذا الخارج وانتبذ عن مقرّ ملكه ومنبت عزّه اشتملوا عليه وقاموا بأمره وظاهروه على شأنه وعنوا بتمهيد دولته يرجون استقراره في نصابه وتناوله الأمر من يد أعياصه [١] وجزاءه لهم على مظاهرته باصطفائهم لرتب الملك وخططه من وزارة أو قيادة أو ولاية ثغر ولا
[١] اعياص: ج عيص، الأصل بمعنى أنهم يرجون انتقال الملك إليه من أصوله أي من آبائه وأجداده.