للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ممكنا أعني كونه نجّارا إلّا أنّ كونه أوّل من علّمها أو تعلّمها لا يقوم دليل من النّقل عليه لبعد الآماد. وإنّما معناه والله أعلم الإشارة إلى قدم النّجارة لأنّه لم يصحّ حكاية عنها قبل خبر نوح عليه السّلام فجعل كأنّه أوّل من تعلّمها. فتفهّم أسرار الصّنائع في الخليقة. والله سبحانه وتعالى أعلم وبه التّوفيق.

[الفصل السابع والعشرون في صناعة الحياكة والخياطة]

اعلم أنّ المعتدلين من البشر في معنى الإنسانيّة لا بدّ لهم من الفكر في الدّفء كالفكر في الكنّ. ويحصل الدفء باشتمال المنسوج للوقاية من الحرّ والبرد. ولا بدّ لذلك من إلحام الغزل حتّى يصير ثوبا واحدا، وهو النّسج والحياكة. فإن كانوا بادية اقتصروا عليه، وإن قالوا إلى الحضارة فصلوا تلك المنسوجة قطعا يقدّرون منها ثوبا على البدن بشكله وتعدّد أعضائه واختلاف نواحيها. ثمّ يلائمون بين تلك القطع بالوصائل حتّى تصير ثوبا واحدا على البدن ويلبسونها.

والصّناعة المحصّلة لهذه الملاءمة هي الخياطة.

هاتان الصّناعتان ضروريّتان في العمران لما يحتاج إليه البشر من الرّفه [١] فالأولى لنسج الغزل من الصّوف والكتّان والقطن إسداء في الطّول وإلحاما في العرض وإحكاما لذلك النّسج بالالتحام الشّديد، فيتمّ منها قطع مقدّرة: فمنها الأكسية من الصّوف للاشتمال، ومنها الثّياب من القطن والكتّان للباس.

والصّناعة الثّانية لتقدير المنسوجات على اختلاف الأشكال والعوائد، تفصّل بالمقراض قطعا مناسبة للأعضاء البدنيّة ثمّ تلحم تلك القطع بالخياطة المحكمة وصلا أو تنبيتا أو تفسّحا [٢] على حسب نوع الصّناعة. وهذه الصّناعة مختصّة


[١] وفي النسخة الباريسية: من الدفء.
[٢] وفي نسخة أخرى: أو تفتيحا.

<<  <  ج: ص:  >  >>