داود، فجاء في مكة بالحسن بن إبراهيم الّذي ضمنه على الأمان فوصله المهدي وأقطعه. ولما وصل إلى مكّة اهتمّ بكسوة الكعبة فكساها بأفخر الكسوة بعد أن نزع ما كان عليها. وكانت فيها كسوة هشام بن عبد الملك من الديباج الثخين، وقسّم مالا عظيما هنالك في مصارف الخير فكان منه مما جاء به من العراق ثلاثون ألف درهم، ووصل إليه من مصر ثلاثمائة ألف دينار ومن اليمن مائة ألف دينار ففرّق ذلك كله، وفرّق مائة ألف ثوب وخمسين ألف ثوب، ووسّع المسجد، ونقل خمسمائة من الأنصار إلى العراق جعلهم في حرسه وأقطع لهم وأجرى الأرزاق. ولما رجع أمر ببناء القصور بطريق مكة أوسع من قصور المنصور من القادسية إلى زبالة، وأمر باتخاذ المصانع في كل منها منهل، وبتحديد الأميال وحفر الآبار، وولى على ذلك بقطير بن موسى، وأمر بالزيادة في مسجد البصرة وتصغير المنابر إلى مقدار منبر النّبي صلى الله عليه وسلم. وأمر في سنة سبع وستين بالزيادة في الحرمين على يد بقطير فدخلت فيه دور كثيرة، ولم يزل البناء فيهما إلى وفاة المهدي.
[نكبة الوزير أبي عبد الله]
كان أبو عبد الله الأشعري قد اتصل بالمهديّ أيام أبيه المنصور فلطفت عنده منزلته واستوزره وسار معه إلى خراسان وعظمت به بطانة المهديّ فأكثروا فيه السعاية، وكان الربيع يدرأ عنه ويعرض كتبه على المنصور ويحسن القول فيه. فكتب المنصور إلى المهدي بالوصاة به وأن لا يقبل فيه السعاية، ولما مات المنصور قام الربيع ببيعة المهدي، وقدموا إلى بغداد جاء الربيع إلى باب أبي عبد الله قبل المهدي وقبل أهله فعذله ابنه الفضل على ذلك، فقال: هو صاحب الرجل وينبغي أن نعامله بغير ما كنا نعامله، وإياك أن تذكر ما كنا نصنع في حقه أو تمنن بذلك في نفسك. فلما وقف ببابه أمهله طويلا من المغرب إلى العشاء ثم أذن له فدخل عليه وهو متكئ فلم يجلس ولا أقبل عليه. وشرع الربيع يذكر أمر البيعة فكفه وقال: قد بلغنا أمركم.
فلما خرج استطال عليه ابنه الفضل بالعذل فيما فعل بأن لم يكن الصواب. فقال له:
ليس الصواب إلّا ما عملته، ولكن والله لأنفقنّ مالي وجاهي في مكروهة، وجدّ في السعاية فيه فلم يجد طريقا إليها لاحتياطه في أمر دينه وأعماله. فأتاه من قبل ابنه محمد ودسّ إلى المهدي بعرضه لحرمة وأنه زنديق، حتى لا استحكمت التهمة فيه أحضره