للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المقدمة الثالثة في المعتدل من الأقاليم والمنحرف وتأثير الهواء في ألوان البشر والكثير في أحوالهم]

قد بيّنا أنّ المعمور من هذا المنكشف من الأرض إنّما هو وسطه لإفراط الحرّ في الجنوب منه والبرد في الشّمال. ولمّا كان الجانبان من الشّمال والجنوب متضادّين من الحرّ والبرد وجب أن تتدرّج الكيفيّة من كليهما إلى الوسط فيكون معتدلا فالإقليم الرّابع أعدل [١] العمران والّذي حافاته من الثّالث والخامس أقرب إلى الاعتدال والّذي يليهما والثّاني والسّادس بعيدان من الاعتدال والأوّل والسّابع أبعد بكثير فلهذا كانت العلوم والصّنائع والمباني والملابس والأقوات والفواكه بل والحيوانات وجميع ما يتكوّن في هذه الأقاليم الثّلاثة المتوسّطة مخصوصة بالاعتدال وسكّانها من البشر أعدل أجساما وألوانا وأخلاقا وأديانا حتّى النّبوءات فإنّما توجد في الأكثر فيها ولم نقف على خبر بعثة في الأقاليم الجنوبيّة ولا الشّماليّة وذلك أن الأنبياء والرّسل إنّما يختصّ بهم أكمل النّوع في خلقهم وأخلاقهم قال تعالى «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ٣: ١١٠» وذلك ليتمّ القبول بما يأتيهم به الأنبياء من عند الله وأهل هذه الأقاليم أكمل لوجود الاعتدال لهم فتجدهم على غاية من التّوسّط في مساكنهم وملابسهم وأقواتهم وصنائعهم يتّخذون البيوت المنجّدة بالحجارة المنمّقة بالصّناعة ويتناغون في استجادة الآلات والمواعين ويذهبون في ذلك إلى الغاية وتوجد لديهم المعادن الطّبيعيّة من الذّهب والفضّة والحديد


[١] أعدل مشتقة من عدل وليس لها معنى والأصح: أكثر اعتدالا

<<  <  ج: ص:  >  >>