للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومرتقيّة إلى القوّة العليا منها ومن المفكّرة الّتي يعبّر عنها بالنّاطقيّة فقوى الحسّ الظّاهرة بآلاته من السّمع والبصر وسائرها يرتقي إلى الباطن وأوّله الحسّ المشترك وهو قوّة تدرك المحسوسات مبصرة ومسموعة وملموسة وغيرها في حالة واحدة وبذلك فارقت قوّة الحسّ الظّاهر لأنّ المحسوسات لا تزدحم عليها في الوقت الواحد ثمّ يؤدّيه الحسّ المشترك إلى الخيال وهي قوة تمثّل الشّيء المحسوس في النّفس كما هو مجرّد عن الموادّ الخارجة فقط وآلة هاتين القوتين في تصريفهما البطن الأوّل من الدّماغ مقدّمه للأولى ومؤخّره للثّانية ثمّ يرتقي الخيال إلى الواهمة والحافظة فالواهمة لإدراك المعاني المتعلّقة بالشّخصيّات كعداوة زيد وصداقة عمرو ورحمة الأب وافتراس الذّئب والحافظة لإيداع المدركات كلّها متخيّلة وهي لها كالخزانة تحفظها لوقت الحاجة إليها وآلة هاتين القوتين في تصريفهما البطن المؤخّر من الدّماغ أوّله للأولى ومؤخّره للأخرى ثمّ ترتقي جميعها إلى قوّة الفكر وآلته البطن الأوسط من الدّماغ وهي القوّة الّتي يقع بها حركة الرّؤية والتّوجّه نحو التّعقّل فتحرّك النّفس بها دائما لما ركب فيها من النّزوع للتّخلّص من درك القوّة والاستعداد الّذي للبشريّة وتخرج إلى الفعل في تعقّلها متشبّهة بالملإ الأعلى الرّوحانيّ وتصير في أوّل مراتب الرّوحانيّات في إدراكها بغير الآلات الجسمانيّة فهي متحرّكة دائما ومتوجّهة نحو ذلك وقد تنسلخ بالكلّيّة من البشريّة وروحانيّتها إلى الملكيّة من الأفق الأعلى من غير اكتساب بل بما جعل الله فيها من الجبلة والفطرة الأولى في ذلك.

[أصناف النفوس البشرية]

إنّ النّفوس البشريّة على ثلاثة أصناف: صنف عاجز بالطّبع عن الوصول فينقطع بالحركة إلى الجهة السّفلى نحو المدارك الحسّيّة والخياليّة وتركيب المعاني من الحافظة والواهمة على قوانين محصورة وترتيب خاصّ يستفيدون به العلوم التّصوّريّة والتّصديقيّة الّتي للفكر في البدن وكلّها خياليّ منحصر نطاقه إذ

<<  <  ج: ص:  >  >>