للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المهدي في غيبة من أبيه، ثم قال له: اقرأ فلم يحسن فقال لأبيه: ألم تقل أنّ ابنك يقرأ القرآن؟ فقال: فارقني منذ سنين وقد نسي، فأمر به المهدي فقتل. واستوحش من أبي عبد الله وساءت منزلته إلى أن كان من أمره ما نذكره وعزله عن ديوان الرسائل وردّه إلى الربيع، وارتفعت منزلة يعقوب بن داود عند المهدي وعظم شأنه وأنفذ عهده إلى جميع الآفاق بوضع الأمناء ليعقوب، وكان لا ينفذ كتاب المهدي حتى يكتب يعقوب إلى يمينه بإنفاذ ذلك.

[ظهور دعوة العباسية بالأندلس وانقطاعها]

وفي سنة إحدى وستين أجاز عبد الرحمن بن حبيب الفهريّ من إفريقية إلى الأندلس داعية لبني العباس، ونزل بساحل مرسية، وكاتب سليمان بن يقطن [١] عامل سرقسطة في طاعة المهدي فلم يجبه. وقصد بلاده فيمن معه من البربر فهزمه سليمان وعاد إلى تدبير [٢] . وسار إليه عبد الرحمن صاحب الأندلس وأحرق السفن في البحر تضييقا على ابن حبيب في النجاة فاعتصم بجبل منيع بنواحي بلنسية فبذل عبد الرحمن فيه المال فاغتاله بعض البربر وحمل رأسه إليه فأعطاه ألف دينار وذلك سنة اثنتين وستين. وهمّ عبد الرحمن صاحب الأندلس أمر ذلك لغزو الشام من الأندلس على العدوة الشمالية لأخذ ثأره فعصى عليه سليمان بن يقطن والحسين بن يحيى بن سعيد بن سعد بن عثمان الأنصاري في سرقسطة فشغلوه عما اعتزم عليه من ذلك.

[غزو المهدي]

تجهّز المهدي سنة ثلاث وستين لغزو الروم وجمع الأجناد من خراسان ومن الآفاق وتوفي عمه عيسى بن علي آخر جمادى الأخيرة بعسكره، وسار من الغد واستخلف على بغداد ابنه موسى الهادي واستصحب هارون، ومرّ في طريقه بالجزيرة والموصل، فعزل عبد الصمد بن علي وحبسه ثم أطلقه سنة ست وستين. ولما جاز ببني مسلمة بن عبد الملك ذكّره عمه العباس بما فعله مسلمة مع جدّهم محمد بن عليّ، وكان أعطاه مرّة في اجتيازه عليه ألف دينار فأحضر المهدي ولد مسلمة ومواليه وأعطاهم عشرين ألف دينار وأجرى عليهم الأرزاق، وعبر الفرات إلى حلب، فأقام بها وبعث ابنه


[١] سليمان بن يقظان: ابن الأثير ج ٦ ص ٥٤.
[٢] تدمير: ابن الأثير ج ٦ ص ٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>