بالتّركيب والتّحليل صور خياليّة وأكثر ما تكون معتادة لأنّها منتزعة من المدركات المتعاهدة قريبا ثمّ ينزّلها الحسّ المشترك الّذي هو جامع الحواسّ الظّاهرة فيدركها على أنحاء الحواسّ الخمس الظّاهرة وربّما التفتت النّفس لفتة إلى ذاتها الرّوحانيّة مع منازعتها القوى الباطنيّة فتدرك بإدراكها الرّوحانيّ لأنّها مفطورة عليه وتقتبس من صور الأشياء الّتي صارت متعلّقة في ذاتها حينئذ ثمّ يأخذ الخيال تلك الصّور المدركة فيمثّلها بالحقيقة أو المحاكاة في القوالب المعهودة والمحاكاة من هذه هي المحتاجة للتّعبير وتصرّفها بالتّركيب والتّحليل في صور الحافظة قبل أن تدرك من تلك اللّمحة ما تدركه هي أضغاث أحلام. وفي الصّحيح أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:«الرؤيا ثلاث رؤيا من الله ورؤيا من الملك ورؤيا من الشّيطان» وهذا التّفصيل مطابق لما ذكرناه فالجليّ من الله والمحاكاة الدّاعية إلى التّعبير من الملك وأضغاث الأحلام من الشّيطان لأنّها كلّها باطل والشّيطان ينبوع الباطل هذه حقيقة الرّؤيا وما يسبّبها ويشيّعها من النّوم وهي خواصّ للنّفس الإنسانيّة موجودة في البشر على العموم لا يخلو عنها أحد منهم بل كلّ واحد من الإنسانيّ رأى في نومه ما صدر له في يقظته مرارا غير واحدة وحصل له على القطع أنّ النّفس مدركة للغيب في النّوم ولا بدّ وإذا جاز ذلك في عالم النّوم فلا يمتنع في غيره من الأحوال لأنّ الذّات المدركة واحدة وخواصّها عامّة في كلّ حال والله الهادي إلى الحقّ بمنّه وفضله.
[فصل:]
ووقوع ما يقع للبشر من ذلك غالبا إنّما هو من غير قصد ولا قدرة عليه وإنّما تكون النّفس متشوّقة لذلك الشّيء فيقع بتلك اللّمحة في النّوم لأنّها تقصد إلى ذلك فتراه وقد وقع في كتاب الغاية وغيره من كتب أهل الرّياضيّات ذكر أسماء تذكر عند النّوم فتكوّن عنها الرّؤيا فيما يتشوّف إليه ويسمّونها الحالوميّة وذكر منها مسلمة في كتاب الغاية حالومة سمّاها حالومة الطّبّاع التّامّ وهو أن يقال عند النّوم بعد فراغ السّرّ وصحّة التّوجّه هذه الكلمات الأعجميّة وهي