للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فخرجوا وشيعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرقد [١] في ليلة قمراء، وأتوا كعبا فخرج إليهم من حصنه ومشوا غير بعيد ثم وضعوا عليه سيوفهم، ووضع محمد بن مسلمة معولا كان معه في ثنته [٢] فقتله. وصاح عدوّ الله صيحة شديدة انذعر لها أهل الحصون التي حواليه، وأوقدوا النيران، ونجا القوم وقد جرح منهم الحرث بن أوس ببعض سيوفهم فنزفه الدم وتأخر، ثم وافاهم بجرّة العريض آخر الليل، وأتوا النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، وأخبروه وتفل على جرح الحرث فبرأ. وأذن للمسلمين في قتل اليهود لما بلغه أنهم خافوا من هذه الفعلة، وأسلم حينئذ حويصة بن مسعود، وقد كان أسلم قبله أخوه محيصة بسبب قتل بعضهم.

[غزوة بني قينقاع:]

وكان بنو قينقاع لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر وقف بسوق بني قينقاع في بعض الأيام فوعظهم وذكرهم ما يعرفون من أمره في كتابهم، وحذّرهم ما أصاب قريشا من البطشة، فأساءوا الردّ وقالوا: لا يغرنك انك لقيت قوما لا يعرفون الحرب فأصبت منهم والله لئن جرّبتنا لتعلمنّ أنّا نحن الناس.

فأنزل الله تعالى: «وَإِمَّا تَخافَنَّ من قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ ٨: ٥٨» . وقيل بل قتل مسلم يهوديا بسوقهم في حق، فثاروا على المسلمين ونقضوا العهد ونزلت الآية. فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستعمل على المدينة بشير بن عبد المنذر، وقيل أبا لبابة، وكانوا في طرف المدينة في سبعمائة مقاتل منهم ثلاثمائة دارع، ولم يكن لهم زرع ولا نخل إنما كانوا تجار أو صاغة يعملون بأموالهم، وهم قوم عبد الله بن سلام فحصرهم عليه السلام خمس عشرة ليلة لا يكلم أحدا منهم حتى نزلوا على حكمه فكتفهم ليقتلوا، فشفع فيهم عبد الله بن أبي بن سلول وألح في الرغبة [٣] حتى حقن له رسول الله صلى الله عليه وسلم دماءهم، ثم أمر بإجلائهم وأخذ ما كان لهم من سلاح وضياع [٤] ، وأمر عبادة بن الصامت فمضى بهم إلى ظاهر ديارهم ولحقوا بخيبر، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمس من الغنائم وهو أول خمس


[١] وفي نسخة اخرى: الفرقد وفي النسخة الباريسية: العرقد.
[٢] الثنّة: شعرات مؤخر رجل الفرس (قاموس) والأصح ان يقول ثنيته: اي اسنان مقدّم الفم. وفي النسخة الباريسية: في قبته.
[٣] وفي نسخة اخرى: الرغنة: اي الطمع.
[٤] وفي النسخة الباريسية: صياغة.

<<  <  ج: ص:  >  >>