فساروا إلى برقة فوجدوها خالية لأنّ المعز كان أباد أهلها من زناتة، فاستوطن العرب برقة، واحتقر المعزّ شأنهم واشترى العبيد واستكثر منهم حتى اجتمع له منهم ثلاثون ألفا. وزحف بنو زغبة إلى طرابلس فملكوها سنة ست وأربعين، وجازت رياح الأثبج وبنو عدي إلى إفريقية، فاضرموها نارا. ثم سار أمراؤهم إلى المعزّ وكبيرهم مؤنس بن يحيى من بني مرداس من زياد فأكرمهم المعزّ وأجزل لهم عطاياه فلم يغن شيئا، وخرجوا إلى ما كانوا عليه من الفساد، ونزل بإفريقية بلاء لم ينزل بها مثله، فخرج إليهم المعزّ في جموعه من صنهاجة والسودان نحوا من ثلاثين ألفا، والعرب في ثلاثة آلاف فهزموه وأثخنوا في صنهاجة بالقتل واستباحوهم، ودخل المعزّ القيروان مهزوما.
ثم بيتهم يوم النحر وهم في الصلاة فهزموه أعظم من الأولى. ثم سار إليهم بعد أن احتشد زناتة معه فانهزم ثالثة وقتل من عسكره نحو من ثلاثة آلاف، ونزل العرب بمصلّى القيروان ووالوا عليهم الهزائم، وقتلت منهم أمم. ثم أباح لهم المعزّ دخول القيروان للميرة فاستطالت عليهم العامّة فقتلوا منهم خلقا وأدار المعزّ السور على القيروان سنة ست وأربعين. ثم ملك مؤنس بن يحيى مدينة باجة سنة ست وأربعين وأمر المعز أهل القيروان بالانتقال إلى المهديّة للتحصّن بها، وولّى عليها ابنه تيما [١] سنة خمس وأربعين. ثم انتقل إليها سنة تسع وأربعين، وانطلقت أيدي العرب على القيروان بالنهب والتخريب، وعلى سائر الحصون والقرى كما يذكر في أخبارهم. ثم كانت الخطبة للمستنصر ببغداد على يد البساسيري من مماليك بني بويه عند انقراض دولتهم واستيلاء السلجوقيّة كما نذكره في أخبارهم.
[(مقتل ناصر الدولة بن حمدان بمصر)]
كانت أمّ المستنصر متغلّبة على دولته وكانت تصطنع الوزراء وتولّيهم، وكانوا يتخذون الموالي من الأتراك للتغلّب على الدولة. فمن استوحشت منه أغرت به المستنصر فقتله.
فاستوزرت أولا أبا الفتح الفلاحي، ثم استوحشت منه فقبض عليه المستنصر وقتله، ووزر بعده أبا البركات حسن بن محمد وعزله. ثم ولّى الوزارة أبا محمد التازوري من
[١] ابنه يدعى تميم كما في الكامل ج ٩ ص ٥٦٩ ولعل الناسخ حذف الميم الثانية.