للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الخبر عن إمارة عبد الحق بن محيو المستقرة في بنيه وإمارة ابنه عثمان من بعده ثم أخيه محمد بن عبد الحق بعدهما وما كان فيها من الأحداث]

لمّا هلك محيو بن أبي بكر بن حمامة من جراحته كما قلناه، وكان له من الولد عبد الحق ووسناف ويحياتن. وكان عبد الحق أكبرهم، فقام بأمر بني مرين، وكان خير أمير عليهم قياما بمصالحهم وتعففا عما في أيديهم، وتقويما لهم على الجادة ونظرا في العواقب، واستمرّت أيامهم. ولما هلك الناصر رابع خلفاء الموحّدين بالمغرب سنة عشر وستمائة مرجعه من غزاة العقاب، وقام بأمر الموحّدين من بعده ابنه يوسف المستنصر، نصبه الموحّدون للأمر غلاما لم يبلغ الحلم. وشغلته أحوال الصبا وجنونه عن القيام بالسياسة وتدبير الملك، فأضاع الحزم وأغفل الأمور. وتواكل الموحّدون بما أرخى لهم من طيل الدالة عليه. ونفس عن مخنقهم من قبضة الاستبداد والقهر، فضاعت الثغور وضعفت الحامية. وتهاونوا بأمرهم، وفشلت ريحهم. وكان هذا الحي لذلك العهد بمجالات القفار، من فيكيك الى صا وملويّة كما قدمناه من شأنهم. وكانوا يطرقون في صعودهم إلى التلول والأرياف منذ أول دولة الموحدين وما قبلها جهات كرسيف إلى وطاط، ويأنسون بمن هنالك من بقايا زناتة الأولى: مثل مكناسة بجبال تازى، وبني يرنيان من مغراوة الموطنين قصور وطاط من أعالي ملوية. فيتقلّبون بتلك الجهات عام المربع والمصيف، وينحدرون إلى مشاتيهم بما امتاروه من الحبوب لأقواتهم. فلما رأوا من اختلال بلاد المغرب ما رأوا انتهزوا فيها الفرصة، وتخطّوا إليها القفر، ودخلوا ثناياه، وتفرّقوا في جهاته.

وأرجفوا بخيلهم وركابهم على ساكنه، واكتسحوا بالغارة والنهب عامة بسائطهم. ولجأت الرعايا إلى معتصماتهم ومعاقلهم، وكثر شاكيهم. وأظلم الجو بينهم وبين السلطان والدولة، فآذنوهم بالحرب وأجمعوا لغزوهم وقطع دابرهم. وأغرى الخليفة المستنصر عظيم الموحّدين أبا علي بن وانودين بجميع العساكر والحشود من مراكش، وسرّحه إلى السيد أبي إبراهيم ابن أمير الموحّدين يوسف بن عبد المؤمن بمكانه من إمارة فاس. وأوعز إليه أن يخرج لغزو بني مرين، وأمره أن يثخن ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>