للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السّلطان وأمّا غير ذلك من تجارة أو فلج فإنّما هو مضرّة عاجلة للرّعايا وفساد للجباية ونقص للعمارة وقد ينتهي الحال بهؤلاء المنسلخين للتّجارة والفلاحة من الأمراء والمتغلّبين في البلدان أنّهم يتعرّضون لشراء الغلّات والسّلع من أربابها الواردين على بلدهم ويفرضون لذلك من الثّمن ما يشاءون ويبيعونها في وقتها لمن تحت أيديهم من الرّعايا بما يفرضون من الثّمن وهذه أشدّ من الأولى وأقرب إلى فساد الرّعيّة واختلال أحوالهم وربّما يحمل السّلطان على ذلك من يداخله من هذه الأصناف أعني التّجّار والفلّاحين لما هي صناعته الّتي نشأ عليها فيحمل السّلطان على ذلك ويضرب معه بسهم لنفسه ليحصل على غرضه من جمع المال سريعا ولا سيّما مع ما يحصل له من التّجارة بلا مغرم ولا مكس فإنّها أجدر بنموّ الأموال وأسرع في تثميره ولا يفهم ما يدخل على السّلطان من الضّرر بنقص جبايته فينبغي للسّلطان أن يحذر من هؤلاء ويعرض عن سعايتهم المضرّة بجبايته وسلطانه والله يلهمنا رشد أنفسنا وينفعنا بصالح الأعمال والله تعالى أعلم.

[الفصل الحادي والأربعون في أن ثروة السلطان وحاشيته إنما تكون في وسط الدولة]

والسّبب في ذلك أنّ الجباية في أوّل الدّولة تتوزّع على أهل القبيل والعصبيّة بمقدار غنائهم وعصبيّتهم ولأنّ الحاجة إليهم في تمهيد الدّولة كما قلناه من قبل فرئيسهم في ذلك متجاف لهم عمّا يسمون إليه من الاستبداد عليهم فله عليهم عزّة وله إليهم حاجة فلا يطيّر [١] في سهمانه من الجباية إلّا الأقلّ من حاجته فتجد حاشيته لذلك وأذياله من الوزراء والكتّاب والموالي متملّقين في الغالب وجاههم متقلّص لأنّه من جاه مخدومهم ونطاقه قد ضاق بمن يزاحمه فيه من أهل عصبيّته


[١] طيّر واطار المال: قسّمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>