ومن أشدّ الظّلامات وأعظمها في إفساد العمران تكليف الأعمال وتسخير الرّعايا بغير حقّ وذلك أنّ الأعمال من قبيل المتموّلات كما سنبيّن في باب الرّزق لأنّ الرّزق والكسب إنّما هو قيّم أعمال أهل العمران. فإذا مساعيهم وأعمالهم كلّها متموّلات ومكاسب لهم بل لا مكاسب لهم سواها فإنّ الرّعيّة المعتملين في العمارة إنّما معاشهم ومكاسبهم من اعتمالهم ذلك فإذا كلّفوا العمل في غير شأنهم واتّخذوا سخريّا في معاشهم بطل كسبهم واغتصبوا قيمة عملهم ذلك وهو متموّلهم فدخل عليهم الضّرر وذهب لهم حظّ كبير من معاشهم بل هو معاشهم بالجملة وإن تكرّر ذلك عليهم أفسد آمالهم في العمارة وقعدوا عن السّعي فيها جملة فأدّى ذلك إلى انتقاض العمران وتخريبه والله سبحانه وتعالى أعلم وبه التّوفيق
[الاحتكار:]
وأعظم من ذلك في الظّلم وإفساد العمران والدّولة التّسلّط على أموال النّاس بشراء ما بين أيديهم بأبخس الأثمان ثمّ فرض البضائع عليهم بأرفع الأثمان على وجه الغصب والإكراه في الشّراء والبيع وربّما تفرض عليهم تلك الأثمان على التّواحي والتّعجيل [١] فيتعلّلون في تلك الخسارة الّتي تلحقهم بما تحدّثهم المطامع من جبر ذلك بحوالة الأسواق في تلك البضائع الّتي فرضت عليهم بالغلاء إلى بيعها بأبخس الأثمان، وتعود خسارة ما بين الصّفقتين على رءوس أموالهم. وقد يعمّ ذلك أصناف التّجّار المقيمين بالمدينة والواردين من الآفاق في البضائع وسائر السّوقة وأهل الدّكاكين في المآكل والفواكه وأهل الصّنائع فيما يتّخذ من الآلات والمواعين فتشمل الخسارة سائر الأصناف والطّبقات وتتوالى على السّاعات وتجحف برءوس الأموال ولا يجدون عنها وليجة إلّا القعود عن الأسواق لذهاب رءوس الأموال في جبرها بالأرباح ويتثاقل الواردون من الآفاق لشراء البضائع وبيعها من أجل ذلك فتكسد الأسواق ويبطل معاش الرّعايا لأنّ عامّته من البيع والشّراء وإذا كانت الأسواق عطلا منها بطل معاشهم وتنقص جباية