حقّا لم يفرضه الشّرع فقد ظلمه فجباة الأموال بغير حقّها ظلمة والمعتدون عليها ظلمة والمنتهبون لها ظلمة والمانعون لحقوق النّاس ظلمة وخصّاب الأملاك على العموم ظلمة ووبال ذلك كلّه عائد على الدّولة بخراب العمران الّذي هو مادّتها لإذهابه الآمال من أهله واعلم أنّ هذه هي الحكمة المقصودة للشّارع في تحريم الظّلم وهو ما ينشأ عنه من فساد العمران وخرابه وذلك مؤذن بانقطاع النّوع البشريّ وهي الحكمة العامّة المراعية للشّرع في جميع مقاصده الضّروريّة الخمسة من حفظ الدّين والنّفس والعقل والنّسل والمال. فلمّا كان الظّلم كما رأيت مؤذنا بانقطاع النّوع لما أدّى إليه من تخريب العمران، كانت حكمة الخطر فيه موجودة، فكان تحريمه مهمّا، وأدلّته من القرآن والسّنّة كثيرة، أكثر من أن يأخذها قانون الضّبط والحصر. ولو كان كلّ واحد قادرا على الظّلم لوضع بإزائه من العقوبات الزّاجرة ما وضع بإزاء غيره من المفسدات للنّوع الّتي يقدر كلّ أحد على اقترافها من الزّنا والقتل والسّكر إلّا أنّ الظّلم لا يقدر عليه إلّا من يقدر عليه لأنّه إنّما يقع من أهل القدرة والسّلطان فبولغ في ذمّه وتكرير الوعيد فيه عسى أن يكون الوازع فيه للقادر عليه في نفسه «وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ٤١: ٤٦» ولا تقولنّ إنّ العقوبة قد وضعت بإزاء الحرابة في الشّرع وهي من ظلم القادر لأنّ المحارب زمن حرابته قادر فإنّ في الجواب عن ذلك طريقين. أحدهما أن تقول العقوبة على ما يقترفه من الجنايات في نفس أموال على ما ذهب إليه كثير وذلك إنّما يكون بعد القدرة عليه والمطالبة بجنايته وأمّا نفس الحرابة فهي خلو من العقوبة.
الطّريق الثّاني أن تقول: المحارب لا يوصف بالقدرة لأنّا إنّما نعني بقدرة الظّالم اليد المبسوطة الّتي لا تعارضها قدرة فهي المؤذنة بالخراب وأمّا قدرة المحارب فإنّما هي إخافة يجعلها ذريعة لأخذ الأموال والمدافعة عنها بيد الكلّ موجودة شرعا وسياسة فليست من القدر المؤذن بالخراب والله قادر على ما يشاء.