للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بها. وقفل السلطان إلى مقرّه فنزل بها، وسخط وجوها من سليم: من مرداس ودباب، كان فيهم رحاب بن محمود وابنه، فاعتقلهم واشخصهم إلى المهديّة فأودعهم بمطبقها ورجع إلى تونس ظافرا غانما.

[(الخبر عن دعوة مكة ودخول أهلها في الدعوة الحفصية)]

كان صاحب مكّة ومتولّي أمرها من سادة الخلق وشرفائهم ولد فاطمة، ثم من ولد ابنها الحسن صلوات الله عليهم أجمعين، أبو نمى وأخوه إدريس، وكانوا قائمين بالدعوة العباسيّة منذ حوّلها إليهم بمصر والشام والحجاز صلاح الدين يوسف بن أيّوب الكردي، وأمر الموسم وولايته راجعة إليه، وإلى بنيه ومواليه من بعده إلى هذا العهد. وجرت بينهم وبين الشريف صاحب مكة مغاضبة وافقها استيلاء الططر على بغداد، ومحوهم رسم الخلافة بها، وظهور الدعوة الحفصيّة بإفريقية، وتأميل أهل الآفاق فيها وامتداد الأيدي إليها بالطاعة. وكان أبو محمد بن سبعين الصوفي نزيلا بمكة، بعد أن رحل من بلده مرسية إلى تونس، وكان حافظا للعلوم الشرعية والعقلية، وسالكا مرتاضا بزعمه على طريقة الصوفية. ويتكلم بمذاهب غريبة منها، ويقول برأي الوحدة كما ذكرناه في ذكر المتصوّفة الغلاة، ويزعم بالتصوّف في الأكوان على الجملة، فأرهق في عقيدته، ورمي بالكفر أو الفسق في كلماته، وأعلن بالنكير عليه والمطالبة له شيخ المتكلمين بأشبيليّة. ثم بتونس أبو بكر بن خليل السكونيّ، فتنمّر له المشيخة من أهل الفتيا وحملة السنّة وسخطوا حالته.

وخشي أن تأسره البيّنات فلحق بالمشرق ونزل مكة، وتذمّم بجوار الحرم الأمين، ووصل يده بالشريف صاحبها. فلما أجمع الشريف أمره على البيعة للمستنصر صاحب إفريقية، داخله في ذلك عبد الحق بن سبعين وحرّضه عليه، وأملى رسالة بيعتهم، وكتبها بخطه تنويها بذكره عند السلطان والكافة، وتأميلا للكرة ونصها:

بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ١: ١ صلى الله على الإسوة المختار سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما. إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً، لِيَغْفِرَ لَكَ الله ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ، وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً، وَيَنْصُرَكَ الله نَصْراً

<<  <  ج: ص:  >  >>