الرؤساء للقائه عن القائم، وبلغه سلامه وهديته، وهي جام من ذهب فيه جواهر، وألبسه لباس الخليفة وعمامته فقبل السلطان ذلك بالشكر والخضوع والدعاء، وطلب لقاء الخليفة، فأسعف وجلس له جلوسا فخما. وجاء السلطان في البحر فقرّب له لما نزل من السهيرية من مراكب الخليفة، والقائم على سرير علوّه سبعة أذرع متوشحا البردة وبيده القضيب، وقبالته كرسيّ لجلوس السلطان فقبّل الأرض وجلس على الكرسي، وقال له رئيس الرؤساء عن القائم: أمير المؤمنين شاكر لسعيك حامد لفعلك مستأنس بقربك، وولّاك ما ولّاه الله من بلاده، وردّ إليك مراعاة عباده فاتق الله فيما ولّاك واعرف نعمته عليك، واجتهد في نشر العدل وكفّ الظلم وإصلاح الرعيّة، فقبّل الأرض، وأفيضت عليه الخلع وخوطب بملك المشرق والمغرب، وقبّل يد الخليفة ووضعها على عينيه ودفع إليه كتاب العهد، وخرج فبعث إلى القائم خمسين ألف دينار وخمسين مملوكا من الأتراك منتقين بخيولهم وسلاحهم، إلى ما في معنى ذلك من الثياب والطيب وغيرهما.
[فتنة ينال مع أخيه طغرلبك ومقتله]
كان إبراهيم ينال قد ملك بلاد الجبل وهمذان واستولى على الجهات من نواحيها إلى حلوان أعوام سنة سبع وثلاثين. ثم استوحش من السلطان طغرلبك بما طلب منه أن يسلّم إليه مدينة همذان والقلاع فأبى من ذلك ينال، وجمع جموعا وتلاقيا فانهزم ينال وتحصّن بقلعة سرماج فملكها عليه بعد الحصار، واستنزله منها، وذلك سنة إحدى وأربعين. وأحسن إليه طغرلبك وخيّره بين المقام معه أو اقطاع الأعمال فاختار المقام.
ثم لمّا ملك طغرلبك بغداد وخطب له بها سنة سبع وأربعين، أخرج إليه البساسيري مع قريش بن بدران صاحب الموصل ودبيس بن مزيد صاحب الحلّة، وسار طغرلبك إليهم من بغداد، ولحقه أخوه إبراهيم ينال فلمّا ملك الموصل سلّمها إليه وجعلها لنظره مع سنجار والرحبة وسائر تلك الأعمال التي لقريش، ورجع إلى بغداد سنة تسع وأربعين. ثم بلغه سنة خمسين بعدها أنّه سار إلى بلاد الجبل فاستراب به وبعث إليه يستقدمه بكتابه وكتاب القائم مع العهد الكندي فقدم معه. وفي خلال ذلك قصد البساسيري وقريش بن بدران الموصل فملكاها جفلوا عنها فاتبعهم إلى نصيبين، وخالفه أخوه إبراهيم ينال إلى همذان في رمضان سنة خمسين. يقال إنّ