يتعرّض لبلاد المسلمين ما بقي واستقلت الدولة بمصر للترك وانقرضت منها دولة بني أيوب بقتل المعظم وولاية المرأة وما اكتنف ذلك فامتعضوا له وكان فتح الدين عمر بن العادل قد حبسه عمه الصالح أيوب بالكرك لنظر بدر الصوابي خادمه الّذي ولاه على الكرك والشويك لما ملكهما كما مرّ فأطلق بدر الدين من محبسه وبايع له وقام بأمره ولقبه المغيث واتصل الخبر بمصر وعلموا أنّ الناس قد نقموا عليهم ولاية المرأة فاتفقوا على ولاية زعيمهم أيبك لتقدّمه عند الصالح وأخيه العادل قبله فبايعوا له وخلعوا أمّ خليل ولقبوه بالمعز فقام بالأمر وانفرد بملك مصر وولى مولاه سيف الدين قطز نائبا وعمر المراتب والوظائف بأمراء الترك والله تعالى ينصر من يشاء من عباده.
[نهوض الناصر صاحب دمشق من بني أيوب إلى مصر وولاية الأشرف موسى مكان أيبك]
كان الملك الصالح أيوب قبل موته قد استخلف جمال الدين بن يغمور على دمشق مكان ابن مطروح وأمراء الدولة الأيوبية بها متوافرون فلما بلغهم استبداد الترك بمصر وولاية أيبك وبيعه المغيث بالكرك أمعنوا النظر في تلافي أمورهم وكبراء بني أيوب يومئذ بالشام الناصر يوسف بن العزيز محمد بن الظاهر غازي بن صلاح الدين حلب وحمص وما إليها فاستدعوه وبايعوا له بدمشق وأغروه بطلب مصر واتصل الخبر للترك في مصر فاعتزموا على أن ينصبوا بعض بني أيوب فيكفوا به ألسنة النكير عنهم فبايعوا لموسى الّذي كان أبوه يوسف صاحب اليمن وهو يوسف أطسز بن المسعود بن الكامل وهو يومئذ ابن ست سنين ولقبوه الأشرف وتزحزح له أيبك عن كرسي السلطان إلى رتبة الأتابكية واستمرّ الناصر على غلوائه في النهوض إلى مصر واستدعى ملوك الشام من بني أيوب فأقبل إليه موسى الأشرف الّذي كان صاحب حمص وإسماعيل الصالح بن العادل صاحب بعلبكّ والمعظم توران شاه بن صلاح الدين وأخوه نصر الدين وابنا داود الناصر صاحب الكرك وهما الأمجد حسن والظاهر شادي وارتحل من دمشق سنة ثمان وأربعين وفي مقدّمته أتابكه لؤلؤ الأرمني وبلغ الخبر إلى مصر فاضطرب الأمر ونادوا بشعار الخلافة والدعاء للمستعصم وجدّدوا البيعة على ذلك للأشرف وجهزوا العساكر وخرجوا للقائهم وسار في المقدّمة أقطاي الجامدار وجمهور البحرية وتبعهم أيبك ساقة في العساكر والتقى الجمعان بالعباسية فانكشف عسكر مصر أولا وتبعهم أهل الشام وثبت المعز في القلب ودارت عليه رحى الحرب وهرب إليه جماعة من عسكر الناصر فيهم أمراء العزيزية