كانت الدعوة الحفصية بإفريقية قد انقسمت بين أعياصهم في تونس وبجاية وأعمالها، وكان التخم بينهما بلد عجيسة ووشتاتة. وكان الخليفة بتونس الأمير أبو حفص ابن الأمير أبي زكريا الأوّل منهم، وله الشفوف على صاحب بجاية والثغور الغربية بالحضرة. فكانت بيعة بني زيان له والدعاء على منابرهم باسمه، وكانت لهم مع المولى الأمير أبي زكريا الأوسط صاحب بجاية وصلة لمكان الصهر بينهم وبينه، وكانت الوحشة قد اعترضت ذلك عند ما نزل عثمان بجاية كما قدّمناه. ثم تراجعوا إلى وصلتهم واستمرّوا عليها إلى أن نازل يوسف بن يعقوب تلمسان، والبيعة يومئذ للخليفة بتونس السلطان أبي عصيدة بن الواثق، والدعوة على منابر تلمسان باسمه، وهو حاقد عليهم ولايتهم للأمير أبي زكريا الأوسط صاحب الثغر، فلما نزل يوسف بن يعقوب بأعلى تلمسان وبعث عساكره في قاصية الشرق استجاش عثمان بن يغمراسن بصاحب بجاية، فسرّح عسكرا من الموحدين لمدافعتهم عن تلك القاصية، والتقوا معهم بجبل الزاب فانكشف الموحّدون بعد معترك صعب واستلحمهم بنو مرين، ويسمى المعترك لهذا العهد بمرسى الرءوس لكثرة ما تساقط في ذلك المجال من الرءوس. واستحكمت المنافرة بين يوسف بن يعقوب وصاحب بجاية فأوفد الخليفة بتونس على يوسف بن يعقوب مشيخة من الموحّدين تجديدا لوصلة سلفهم مع سلفه وإغراء بصاحب بجاية وعمله، فجاء موقع ذلك من عثمان بن يغمراسن وأحفظه ممالأة [١] خليفته لعدوّه، فعطّل منابره من ذكره، وأخرج قومه وإيالته عن دعوته، وكان ذلك آخر المائة السابعة. والله تعالى أعلم.
[(الخبر عن دولة أبي حمو الأوسط وما كان فيها من الاحداث)]
لما هلك الأمير أبو زيان قام بالأمر بعده أخوه أبو حمّو في أخريات سنة سبع كما