[غزو صلاح الدين إلى سواحل الشام وما فتحه من حصونها وصلحه آخرا مع صاحب انطاكية]
لما رجع صلاح الدين من فتح القدس وحاصر صور وصفد وكوكب عاد إلى دمشق ثم تجهز للغزو إلى سواحل الشام وأعمال انطاكية وسار عن دمشق في ربيع سنة أربع وثمانين فنزل على حمص واستدعى عساكر الجزيرة وملوك الأطراف فاجتمعوا إليه وسار إلى حصن الأكراد فضرب عسكره هنالك ودخل متجردا إلى القلاع بنواحي انطاكية فنقص طرفها وأغار على ولايتها إلى طرابلس حتى شفي نفسه من ارتيادها وعاد إلى معسكره فجرت الأرض بالغنائم فأقام عند حصن الأكراد ووفد عليه هنالك منصور بن نبيل صاحب جبلة وكان من يوم استيلاء الافرنج على جبلة عند صاحب انطاكية حاكما على جميع المسلمين فيها ومتوليا أمور سمند فلما هبت ريح الإسلام بصلاح الدين وظهوره نزل إليه ليكشف الغماء ودله على عورة جبلة واللاذقية واستحثه لهما فسار أوّل جمادى ونزل بطرسوس وقد اعتصم الإفرنج منها ببرجين حصينين وأخلوا المدينة فخربوها واستباحوها وكان أحد الحصنين للفداوية وفيه مقدّمهم الّذي أسره صلاح الدين يوم المصاف وأطلقه عند فتح القدس واستأمن إليه أهل البرج الآخر ونزلوا له عنه فخربه صلاح الدين وألقى حجارته في البحر وامتنع عليه برج الفداوية فسار إلى المرقب وهو للإستبارية ولا يرام لعلوه وارتفاعه وامتناعه والطريق في الجبل إلى جبلة عليه فهو عن يمين الطريق والبحر عن يساره في مسلك ضيق إنما يمرّ به الواحد فالواحد.
[فتح جبلة]
وكان وصل أسطول من صاحب صقلّيّة مددا للإفرنج في تلك السواحل في ستين قطعة فأرسوا بطرابلس فلما سمعوا بصلاح الدين أقلعوا إلى المغرب ووقفوا قبالتها ينضحون بسهامهم المارة بتلك الطريق فضرب صلاح الدين على ذلك الطريق سورا من جهة البحر من المتارس ووقف وراءه الرماة حتى سلك العسكر المضيق إلى جبلة ووصلها آخر جمادى وسبق إليها القاضي وملكها صلاح الدين لحينه ورفع أعلام الإسلام على سورها ونفى حاميتها إلى القلعة فاستنزلهم القاضي على الأمان واستمرّ منهم جماعة في رهن القاضي والمسلمين عند صاحب أنطاكية حتى أطلقهم وجاء رؤساء أهل البلد إلى طاعة صلاح الدين وهو بجبل ما