أمر البيت والحسب على الأمر المشهور من تعديد الآباء على الإطلاق ولم يراجع فيه حقيقة العصبيّة وسرّها في الخليفة وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ٢: ٢٨٢.
[الفصل الرابع عشر في أن البيت والشرف للموالي وأهل الاصطناع إنما هو بمواليهم لا بأنسابهم]
وذلك أنّا قدّمنا أنّ الشّرف بالأصالة والحقيقة إنّما هو لأهل العصبيّة فإذا اصطنع أهل العصبيّة قوما من غير نسبهم أو استرقّوا العبدان والموالي والتحموا به كما قلناه ضرب معهم أولئك الموالي والمصطنعون بنسبهم في تلك العصبيّة ولبسوا جلدتها كأنّها عصبتهم وحصل لهم من الانتظام في العصبيّة مساهمة في نسبها كما قال صلّى الله تعالى عليه وسلّم مولى القوم منهم وسواء كان مولى رقّ أو مولى اصطناع وحلف [١] وليس نسب ولادته بنافع له في تلك العصبيّة إذ هي مباينة لذلك النّسب وعصبيّة ذلك النّسب مفقودة لذهاب سرّها عند التحامه بهذا النّسب الآخر وفقدانه أهل عصبيّتها فيصير من هؤلاء ويندرج فيهم فإذا تعدّدت له الآباء في هذه العصبيّة كان له بينهم شرف وبيت على نسبته في ولائهم واصطناعهم لا يتجاوزه إلى شرفهم بل يكون أدون منهم على كلّ حال وهذا شأن الموالي في الدّول والخدمة كلّهم فإنّهم إنّما يشرفون بالرّسوخ في ولاء الدّولة وخدمتها وتعدّد الآباء في ولايتها ألا ترى إلى موالي الأتراك في دولة بني العبّاس وإلى بني برمك من قبلهم وبني نوبخت كيف أدركوا البيت والشّرف وبنوا المجد والأصالة بالرّسوخ في ولاء الدّولة فكان جعفر بن يحيى بن خالد من أعظم النّاس بيتا وشرفا بالانتساب إلى ولاء الرّشيد وقومه لا بالانتساب في الفرس وكذا موالي كلّ
[١] مولى الرق هو العبد يعتقه سيده فيصبح ولاؤه له، ثم يرثه إذا مات ولم يترك عصبة. ومولى الحلف: الرجل الحر الأصل يتخذ له مولى يعقد صريح، فيصبح بمنزلة عضو في أسرة مولاه.