للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالمجاز لعلاقة ما فيه من تعديد الآباء المتعاقبين على طريقة واحدة من الخير ومسالكه وليس حسبا بالحقيقة وعلى الإطلاق وإن ثبت أنّه حقيقة فيهما بالوضع اللّغويّ فيكون من المشكّك الّذي هو في بعض مواضعه أولى وقد يكون للبيت شرف أوّل بالعصبيّة والخلال ثمّ ينسلخون منه لذهابها بالحضارة كما تقدّم ويختلطون بالغمار ويبقى في نفوسهم وسواس ذلك الحسب يعدّون به أنفسهم من أشراف البيوتات أهل العصائب وليسوا منها في شيء لذهاب العصبيّة جملة وكثير من أهل الأمصار النّاشئين في بيوت العرب أو العجم لأوّل عهدهم موسوسون بذلك وأكثر ما رسخ الوسواس في ذلك لبني إسرائيل فإنّه كان لهم بيت من أعظم بيوت العالم بالمنبت أوّلا لما تعدّد في سلفهم من الأنبياء والرّسل من لدن إبراهيم عليه السّلام إلى موسى صاحب ملّتهم وشريعتهم ثمّ بالعصبيّة ثانيا وما أتاهم الله بها من الملك الّذي وعدهم به ثمّ انسلخوا من ذلك أجمع وضربت عليهم الذّلّة والمسكنة وكتب عليهم الجلاء في الأرض وانفردوا بالاستعباد للكفر آلافا من السّنين وما زال هذا الوسواس مصاحبا لهم فتجدهم يقولون هذا هارونيّ هذا من نسل يوشع هذا من عقب كالب هذا من سبط يهوذا مع ذهاب العصبيّة ورسوخ الذّلّ فيهم منذ أحقاب متطاولة وكثير من أهل الأمصار وغيرهم المنقطعين في أنسابهم عن العصبيّة يذهب إلى هذا الهذيان. وقد غلط أبو الوليد بن رشد في هذا لمّا ذكر الحسب في كتاب الخطابة من تلخيص كتاب المعلّم الأوّل [١] والحسب هو أن يكون من قوم قديم نزلهم بالمدينة ولم يتعرّض لما ذكرناه وليت شعري ما الّذي ينفعه قدم نزلهم بالمدينة إن لم تكن له عصابة يرهب بها جانبه وتحمل غيرهم على القبول منه فكأنّه أطلق الحسب على تعديد الآباء فقط مع أنّ الخطابة إنّما هي استمالة من تؤثّر استمالته وهم أهل الحلّ والعقد وأمّا من لا قدرة له البتّة فلا يلتفت إليه ولا يقدر على استمالة أحد ولا يستمال هو وأهل الأمصار من الحضر بهذه المثابة إلّا أنّ ابن رشد ربا في جبل وبلد ولم يمارسوا العصبيّة ولا أنسوا أحوالها فبقي في


[١] المعلم الأول هو أرسطو. أما المعلم الثاني فهو الفارابيّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>