أهل طريف الجهد، ونال منهم الحصار، فراسلوا الطاغية في الصلح والنزول عن البلد، فصالحهم واستنزلهم سنة إحدى وتسعين وستمائة ووفّى لهم بعهده. واستشرف ابن الأحمر إلى تجافي الطاغية عنها لما عقدوا عليه، فأعرض عن ذلك واستأثر بها بعد أن كان نزل له عن ستة من الحصون عوضا منها، ففسد ذات بينهما، ورجع ابن الأحمر إلى تمسّكه بالسلطان واستعانته به لأهل ملّته على الطاغية. وأوفد ابن عمّه الرئيس أبا سعيد فرج بن إسماعيل بن يوسف ووزيره أبا سلطان عزيز الداني في وفد من أهل حضرته لتجديد العهد وتأكيد المودّة وتقرير المعذرة عن شأن طريف.
فوافوه بمكانه من منازلة تازوطا كما يذكر بعد. فأبرموا العقد وأحكموا الصلح وانصرفوا إلى ابن الأحمر سنة اثنتين وتسعين وستمائة بأسعاف غرضه من المواخاة واتصال اليد. وهلك خلال ذلك قائد المسالح بالأندلس علي بن يزكاسن في ربيع الأوّل سنة اثنتين وتسعين وستمائة وعقد السلطان لابنه ولي عهده، الأمير أبي عامر على ثغور الأندلس التي في طاعته، وعهد له بالنظر في مصالحها. وأنفذه إلى قصر المجاز بعسكره فوافاه هنالك السلطان ابن الأحمر كما يذكر إن شاء الله تعالى، والله أعلم.
[(الخبر عن وفادة ابن الأحمر على السلطان والتقائهما بطنجة)]
لما رجعت الرسل الى ابن الأحمر، وقد كرّمت وفادتهم وقضيت حاجتهم، وأحكمت في المواخاة مقاصدهم، وقع ذلك من ابن الأحمر أجمل موقع، وطار سرورا من أعواده. وأجمع الرحلة إلى السلطان لإحكام الودّ والاستبلاغ في العذر عن واقعة طريف وشأنها، واستعدادهم لإغاثة المسلمين ونصرهم من عدوّهم. فاعتزم على ذلك وأجاز البحر ذا القعدة سنة اثنتين وتسعين وستمائة واحتل بنيونش من ساحة سبتة. ثم ارتحل إلى طنجة، وقدّم بين يدي نجواه هدية سنيّة أتحف بها السلطان، كان من أحفلها وأحسنها موقعا لديه فيما زعموا المصحف الكبير، أحد مصاحف عثمان ابن عفّان أحد الأربعة المنبعثة إلى الآفاق، المختص هذا منها بالمغرب، كما نقله السلف. كان بنو أمية يتوارثونه بقرطبة، فتلقاه الأمير أبو عامر هنالك، وأخوه الأمير