وأزاح العلل، وبلغ الخبر إلى أحيائهم فقطع اليأس أسباب رجائهم. وانطلقوا يحزّبون الأحزاب ويلمّون [١] للملك الأعياص. وكان أولاد مهلهل أقيالهم وعديلة حملهم قد أيأسهم السلطان من القبول والرضا بما بالغوا في نصيحة المولى أبي حفص ومظاهرته فلحقوا بالقفر، ودخلوا الرمال فركب إليهم قتيبة بن حمزة وأمّه ومعهم ظعائن أبنائهما متذمّمين لأولاد مهلهل بالعصبيّة والقرابة، فأجابوهم واجتمعوا بقسطيلية وتحاثوا التراب والدماء، وتذامروا بما شملهم من رهب السلطان، وتوقع بأسه. وتفقدوا من أعياص الموحّدين من ينصّبونه للأمر، وكان بتوزر أحمد بن عثمان ابن أبي دبوس آخر خلفاء بني عبد المؤمن بمراكش وقد ذكرنا خبره وخروجه بجهات طرابلس وإجلابه مع العرب على تونس أيام السلطان أبي عصيدة. ثم انفضوا وبقي عثمان بجهات قابس وطرابلس إلى أن هلك بجزيرة جربة، واستقرّ بنو ابنه عبد السلام بالحضرة بعد حين فاعتقلوا بها أيام السلطان أبي بكر. ثم غرّبهم إلى الإسكندرية مع أولاد ابن الحكيم عند نكبته كما ذكرنا ذلك كله، فنزلوا بالإسكندرية وأقبلوا على الحرف لمعاشهم. ورجع أحمد هذا من بينهم إلى المغرب واستقرّ بتوزر واحترف بالخياطة. ولما تفقّد العرب الأعياص دلّهم على نكرته بعض أهل عرفانه فانطلقوا إليه وجاءوا به، وجمعوا إليه الآلة، ونصّبوه للأمر وتبايعوا على الاستماتة. ورجع إليهم السلطان في عساكره من تونس أيام الحج من سنة ثمان، ولقيهم بالثنية دون القيروان فغلبهم وأجفلوا أمامه إلى القيروان. ثم تذامروا ورجعوا مستميتين ثاني محرّم سنة تسع فاختلّ مصافه ودخل القيروان وانتهبوا معسكره بما اشتمل عليه وأخذوا بمخنقه إلى أن اختلفوا فأفرجوا عنه وخلص إلى تونس كما نذكر، والله تعالى أعلم.
[(الخبر عن حصار القصبة بتونس ثم الإفراج عن القيروان وعنها وما تخلل ذلك)]
كان الشيخ أبو محمد بن تافراكين أيام حجابة السلطان أبي بكر مستبدّا بأمره مفوّضا