للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغد إلى قصره بالقصبة وملّكوه أمرهم. وقام بأمره مولاه فارح ولقبه باسم الحجابة واستمرّ حالهم على ذلك. ولحق الأمير أبو حفص بالحضرة آخر جمادى الأولى من سنته لشهر يوم ولايته إلى أن كان من شأنه بعد مهلك مولانا السلطان ما نذكره. وتدارك السلطان أمر بجاية وبعث إليهم أبا عبد الله بن سليمان من كبار الصالحين ومشيخة الموحدين يسكنهم ويؤنسهم وبعث معه كتاب العقد عليها لحافده الأمير أبي زكريا طالبا مرضاتهم [١] فسكنت نفوسهم وأنسوا بولاية ابن مولاهم، وجاءت الأمور إلى مصايرها كما نذكره بعد إن شاء الله تعالى والله وليّ التوفيق.

[(الخبر عن مهلك مولانا السلطان أبي بكر وولاية ابنه الأمير أبي حفص)]

بينما الناس في غفلة من الدهر وظلّ ظليل من العيش وأمن من الخطوب تحت سرادق من العز وذمّة وافية من العدل، إذ ريع بالسرف وتكدّر الشرق [٢] وتقلّصت ظلال العز والأمن، وتعطّل فناء الملك ونعي السلطان أبو بكر بتونس فجأة من جوف الليل ليلة الأربعاء ثاني رجب من سنة سبع وأربعين وسبعمائة، فهبّ الناس من مضاجعهم متسايلين إلى القصر يستمعون نبأ النعي وأطافوا به سائر ليلتهم تراهم سكارى وما هم بسكارى. وبادر الأمير أبو حفص عمر من داره إلى القصر فملكه وضبط أبوابه واستدعى الحاجب أبا محمد بن تافراكين من داره، ودعوا المشيخة من الموحّدين والموالي وطبقات الجند، وأخذ الحاجب عليهم البيعة للأمير أبي حفص. ثم جلس من الغد جلوسا فخما على الترتيب المعروف في الدولة أحكمه الحاجب أبو محمد لمعرفته لعوائدها وقوانين ترتيبها، تلقّنه عن أشياخه أهل الدولة من الموحدين، وغدا عليه الكافة في طبقاتهم فبايعوا له وأعطوه صفقة إيمانهم. وانفضّ المجلس وقد انعقدت بيعته وأحكمت خلافته.

وكان الأمير خالد ابن مولانا السلطان مقيما بالحضرة قدمها رائدا [٣] منذ أشهر وأقام


[١] كذا في النسخة الباريسية وفي نسخة ثانية: ذهابا مع مرضاتهم.
[٢] وفي نسخة أخرى: إذ ريع السرب وتكدّر الشرب.
[٣] وفي نسخة أخرى: زائرا.

<<  <  ج: ص:  >  >>