للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل السادس والثلاثون في شارات الملك والسلطان الخاصة به]

اعلم أنّ للسّلطان شارات وأحوالا تقتضيها الأبّهة والبذخ فيختصّ بها ويتميّز بانتحالها عن الرّعيّة والبطانة وسائر الرّؤساء في دولته فلنذكر ما هو مشتهر منها بمبلغ المعرفة «وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ١٢: ٧٦» .

[الآلة:]

فمن شارات الملك اتّخاذ الآلة من نشر الألوية والرّايات وقرع الطّبول والنّفخ في الأبواق والقرون وقد ذكر أرسطو في الكتاب المنسوب إليه في السّياسة أنّ السّرّ في ذلك إرهاب العدوّ في الحرب فإنّ الأصوات الهائلة لها تأثير في النّفوس بالرّوعة ولعمري إنّه أمر وجدانيّ في مواطن الحرب يجده كلّ أحد من نفسه وهذا السّبب الّذي ذكره أرسطو إن كان ذكره فهو صحيح ببعض الاعتبارات. وأمّا الحقّ في ذلك فهو أنّ النّفس عند سماع النّغم والأصوات يدركها الفرح والطّرب بلا شكّ فيصيب مزاج الرّوح نشوة يستسهل بها الصّعب ويستميت في ذلك الوجه الّذي هو فيه وهذا موجود حتّى في الحيوانات العجم بانفعال الإبل بالحداء والخيل بالصّفير والصّريح كما علمت ويزيد ذلك تأثيرا إذا كانت الأصوات متناسبة كما في الغناء وأنت تعلم ما يحدث لسامعه من مثل هذا المعنى لأجل ذلك تتّخذ العجم في مواطن حروبهم الآلات الموسيقيّة [١] لا طبلا ولا بوقا فيحدق المغنّون بالسّلطان في موكبه بآلاتهم ويغنون فيحرّكون نفوس الشّجعان بضربهم إلى الاستماتة ولقد رأينا في حروب العرب من يتغنّى أمام الموكب بالشعر ويطرب فتجيش همم الأبطال بما فيها ويسارعون إلى مجال الحرب وينبعث كلّ قرن إلى قرنه وكذلك زناتة من أمم المغرب يتقدّم الشّاعر عندهم أمام الصّفوف ويتغنّى فيحرّك بغنائه الجبال الرّواسي ويبعث على


[١] قوله موسيقية وفي نسخة الموسيقارية وهي صحيحة لأن الموسيقى بكسر القاف بين التحتيتين اسم للنغم والألحان وتوقيعها ويقال فيها موسيقير ويقال لضارب الآلة موسيقار انظر أول سفينة الشيخ محمد شهاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>