مودّته له وأجابني بالعذر من الموقع وأنه مستأنف من الإتحاف للسلطان واستحكام مودّته لما يسره الحال فلما قدم الحاج من المغرب سنة ثمان وثمانين وصل فيهم من كبار الغرب بدولته وأبناء الأعاظم المستبدّين على سلفه عبيد بن القائد أبي عبد الله محمد بن الحكيم بهدية من المقرّبات رائقة الحلي رائعة الأوصاف منتخبة الأجناس والأنساب غريبة الألوان والأشكال فاعترضها السلطان وقابلها بالقبول وحسن الموقع وحضر الرسول بكتابه فقرئ وأكرم حامله وأنعم عليه بالزاد لسفر الحج وأوصى أمراء المحمل فقضى فرضه على أكمل الأحوال وكانت أهمّ أمنياته ثم انقلب ظافرا بقصده وإعادة السلطان إلى مرسلة بهدية نحو من الاولى من أجناس تلك الثياب ومستجادها مما يجاوز الكثيرة ويفوت واستحكمت عقدة المودّة بين هذين السلطانين وشكرت الله على ما كان فيها من أثر مسعاي ولو قلّ وكان وصل في جملة الحاج من المغرب كبير العرب من هلال وهو يعقوب بن علي بن أحمد أمير رياح الموطنين بضواحي قسنطينة وبجاية والزاب في وفد من بنيه وأقربائه ووصل في جملتهم أيضا عون بن يحيى بن طالب بن مهلهل من الكعوب أحد شعوب سليم الموطنين بضواحي تونس والقيروان والجريد وبنو أبيه فقضوا فرضهم أجمعون وانقلبوا إلى مواطنهم أواسط شهر ربيع الآخر من سنة تسع وثمانين واطردت أحوال هذه الدولة على أحسن ما يكون والله متولي أمرها بمنه وكرمه انتهى.
[حوادث مكة وأمرائها]
قد تقدّم لنا أنّ ملك مكة سار في هذه الاعصار لبني قتادة من بني مطاعن الهواشم بني حسن وذلك منذ دولة الترك وكان ملكهم بها بدويا وهم يعطون الطاعة لملك مصر ويقيمون مع ذلك الدولة العباسية للخليفة الّذي ينصبه الترك بمصر إلى أن استقرّ أمرها آخر الوقت لأحد بن عجلان من رميثة بن أبي نمى أعوام سنة ستين وسبعمائة بعد أبيه عجلان فأظهر في سلطانه عدلا وتعففا عن أموال الناس وقبض أيدي أهل العيث والظلم وحاشيتهم وعبيدهم وخصوصا عن المجاورين وأعانه على ذلك ما كان له من الشوكة بقوّة أخواله ويعرفون بني عمر من اتباع هؤلاء السادة ومواليهم فاستقام أمره وشاع بالعدل ذكره وحسنت سيرته وامتلأت مكة بالمجاورين والتجار حتى غصت بيوتها بهم وكان عنان ابن عمه مقامس بن رميثة ومحمد ابن عمه مقامس بن رميثة ينفسون عليه ما آتاه الله من الخير ويحدون في أنفسهم إذ ليس يقسم لهم برضاهم في أموال جبايته فتنكروا له وهموا بالانتقاض فتقبض