للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن العلم فيفوته القرآن، لأنّه ما دام في الحجر منقاد للحكم. فإذا تجاوز البلوغ وانحلّ من ربقة القهر فربّما عصفت به رياح الشّبيبة فألقته بساحل البطالة فيغتنمون في زمان الحجر وربقة الحكم تحصيل القرآن لئلّا يذهب خلوا منه. ولو حصل اليقين باستمراره في طلب العلم وقبوله التّعليم لكان هذا المذهب الّذي ذكره القاضي أولى ما أخذ به أهل المغرب والمشرق. ولكنّ الله يحكم ما يشاء لا معقّب لحكمه.

[الفصل الأربعون في أن الشدة على المتعلمين مضرة بهم]

وذلك أنّ إرهاف الحدّ بالتّعليم مضرّ بالمتعلّم سيّما في أصاغر الولد لأنّه من سوء الملكة. ومن كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلّمين أو المماليك أو الخدم سطا به القهر وضيّق عن النّفس في انبساطها وذهب بنشاطها ودعاه إلى الكسل وحمل على الكذب والخبث وهو التّظاهر بغير ما في ضميره خوفا من انبساط الأيدي بالقهر عليه وعلّمه المكر والخديعة لذلك وصارت له هذه عادة وخلقا وفسدت معاني الإنسانيّة الّتي له من حيث الاجتماع والتّمرّن [١] وهي الحميّة والمدافعة عن نفسه ومنزله. وصار عيالا على غيره في ذلك بل وكسلت النّفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل فانقبضت عن غايتها ومدى إنسانيّتها فارتكس وعاد في أسفل السّافلين. وهكذا وقع لكلّ أمّة حصلت في قبضة القهر ونال منها العسف واعتبره في كلّ من يملك أمره عليه. ولا تكون الملكة الكافلة له رفيقة به. وتجد ذلك فيهم استقراء وأنظره في اليهود وما حصل بذلك فيهم من خلق السّوء حتّى إنّهم يوصفون في كلّ أفق. وعصر بالحرج [٢] ومعناه في الاصطلاح


[١] وفي نسخة أخرى: التمدن.
[٢] وفي نسخة أخرى: بالخرج.

<<  <  ج: ص:  >  >>