للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانت ديارا لنفزاوة وبني يفرن ونفوسة ومن لا يحصى من قبائل البربر. وكانت قاعدتها القيروان وهي لهذا العهد مجالات للعرب من سليم وبني يفرن وهوارة، ومغلوبون تحت أيديهم. وقد تبدوا معهم ونسوا رطانة الأعاجم، وتكلموا بلغات العرب، وتحلوا بشعارهم في جميع أحوالهم. وقاعدتها لهذا العهد تونس وهي دار ملكها، ويمرّ فيها النهر الأعظم المعروف بوادي مجردة يجتمع فيه سائر الأودية بها، ويصب في البحر الرومي على مرحلة من غربي تونس بموضع يعرف ببنزرت. وأما برقة فدرست معالمها وخربت أمصارها، وانقرض أمرها. وعادت مجالات للعرب بعد أن كانت دارا للواتة وهوارة وغيرهم من البربر. وكانت بها الأمصار المستجرة مثل لبدة وزويلة وبرقة وقصر حسان وأمثالها، فعادت يبابا ومفاوز كان لم تكن والله أعلم.

(الفصل الثالث في ذكر ما كان لهذا الجيل قديما وحديثا من الفضائل الانسانية والخصائص الشريفة الراقية بهم الى مراقي العز ومعارج السلطان والملك)

قد ذكرنا ما كان من أمر هذا الجيل من البربر ووفور عدده وكثرة قبائلهم وأجيالهم، وما سواه من مغالبة الملوك ومزاحمة الدول عدة آلاف من السنين، من لدن حروبهم مع بني إسرائيل بالشام وخروجهم عنه إلى إفريقية والمغرب، وما كان منهم لأول الفتح في محاربة الطوالع من المسلمين أولا، ثم في مشايعتهم ومظاهرتهم على عدوهم ثانيا من المقامات الحميدة والآثار الجميلة. وما كان لوهيا الكاهنة وقومها بجبل أوراس من الملك والعز والكثرة قبل الإسلام وبعده حتى تغلب عليهم العرب، وما كان لمكناسة من مشايعة المسلمين أولا، ثم ردتهم ثانيا، وتحيزهم إلى المغرب الأقصى وفرارهم أمام عقبة بن نافع ثم غلبهم بعد ذلك طوالع هشام بأرض المغرب.

(قال ابن أبي زيد [١] ) : إن البربر ارتدوا بإفريقية المغرب اثنتي عشرة مرة، وزحفوا في كلها للمسلمين، ولم يثبت إسلامهم إلا في أيام موسى بن نصير، وقيل بعدها. وتقدم ذكر ما كان لهم في الصحراء والقفر من البلاد، وما شيدوا من


[١] وفي النسخة الباريسية: ابن أبي يزيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>