الحكم ابني مجاهد، وأصهر إليهما في ابنة أبي الحسن فانكحاه ورشحاه للأمانة على ديوان الأعمال. ولما استقل أبو عبد الله الفازازي بالرياسة استكتبه وكان طياشا مستعصيا على الخليفة، فكان كاتبه محمد بن الدبّاغ يروّضه لأغراض الخليفة إذا دسّها إليه الحاجب ابن الشيخ، فيقع ذلك من الخليفة أحسن الموقع.
ولما ولي السلطان أبو عصيدة وكانت له عنوة سابقة رعاها، وكان حاجبه الشخشي بهمة غفلا عن أدوات الكتاب فاستكتب السلطان ابن الدبّاغ ثم رقّاه إلى كتابة علامته سنة خمس وتسعين وستمائة وكان يتصرّف فيها فأصبح رديفا للشخشي في حجابته، وجرت أمور الدولة على ذلك إلى أن هلك الشخشي سنة تسع وتسعين وستمائة فقلّده السلطان حجابته فاستقلّ بها على ما قدّمناه من أنّ التدبير والحرب مصروف إلى مشيخة الموحّدين.
[(الخبر عن نكبة عبد الحق بن سليمان وخبر بنيه من بعده)]
كان أبو محمد عبد الحق بن سليمان رئيس الموحدين لعهد السلطان أبي حفص، وأصله من تين ملّل الموطّنين بتبرسق مذ أوّل الدولة، كانت له ولسلفه الرئاسة عليهم، وصارت إليه رياسة الموحّدين كافة بالحضرة أيام هذا السلطان وكان له خالصة وشيعة، وكان حريصا على ولاية ابنه عبد الله للعهد. وكان يدافع نكير الموحدين في ذلك، فأسرّ هاله السلطان أبو عصيدة. ولما استوثق له الأمر، وقتل عبد الله بمحبسه، تقبّض على أبي محمد بن سليمان واعتقله في صفر سنة خمس وتسعين وستمائة. ولم يزل معتقلا إلى أن قتل بمحبسه على رأس المائة، وفرّ عند نكبته ابناه محمد وعبد الله، فأما عبد الله فلحق بالأمير أبي زكريا، وصار في جملته إلى أن دخل تونس مع ابنه السلطان أبي البقاء خالد. وأمّا محمد فأبعد المفرّ ولحق بالمغرب الأقصى، ونزل على يوسف بن يعقوب سلطان بني مرين بمعسكره من حصار تلمسان، فاستبلغ في تكريمه وأقام عنده مدّة. ثم عاود وطنه ونزل عن طريقه إلى النسك ولبس الصوف. وصحب الصالحين وقضى فريضة الحج، وامتدّ عمره وحسنت فيه ظنون الكافة، واعتقدوا فيه وفي دعائه، وكثرت غاشيته لالتماس البركة