وأمثال ذلك فيحتاج إلى البصر بشيء من مسائله. وكذلك في جرّ الأثقال بالهندام فإنّ الأجرام العظيمة إذا شيدت بالحجارة الكبيرة يعجز قدّر الفعلة عن رفعها إلى مكانها من الحائط فيتحيّل لذلك بمضاعفة قوّة الحبل بإدخاله في المعالق من أثقاب مقدّرة على نسب هندسيّة تصيّر الثّقيل عند معاناة الرّفع خفيفا فيتمّ المراد من ذلك بغير كلفة وهذا إنّما يتمّ بأصول هندسيّة معروفة متداولة بين البشر وبمثلها كان بناء الهياكل الماثلة لهذا العهد الّتي يحسب أنّها من بناء الجاهليّة.
وأنّ أبدانهم كانت على نسبتها في العظم الجسمانيّ وليس كذلك وإنّما تمّ لهم ذلك بالحيل الهندسيّة كما ذكرناه. فتفهّم ذلك. والله يخلق ما يشاء سبحانه.
[الفصل السادس والعشرون في صناعة النجارة]
هذه الصّناعة من ضروريّات العمران ومادّتها الخشب وذلك أنّ الله سبحانه وتعالى جعل للآدميّ في كلّ مكوّن من المكوّنات منافع تكمل بها ضروراته وكان منها الشّجر فإنّ له فيه من المنافع ما لا ينحصر ممّا هو معروف لكلّ أحد. ومن منافعها اتّخاذها خشبا إذا يبست وأوّل منافعه أن يكون وقودا للنّيران في معاشهم وعصيّا للاتكاء والذّود وغيرهما من ضروريّاتهم ودعائم لما يخشى ميله من أثقالهم. ثمّ بعد ذلك منافع أخرى لأهل البدو والحضر فأمّا أهل البدو فيتّخذون منها العمد والأوتاد لخيامهم والحدوج لظعائنهم والرّماح والقسيّ والسّهام لسلاحهم وأمّا أهل الحضر فالسّقف لبيوتهم والأغلاق لأبوابهم والكراسيّ لجلوسهم. وكلّ واحدة من هذه فالخشبة مادّة لها ولا تصير إلى الصّورة الخاصّة بها إلّا بالصّناعة.
والصّناعة المتكفّلة بذلك المحصّلة لكلّ واحد من صورها هي النّجارة على اختلاف رتبها. فيحتاج صاحبها إلى تفصيل الخشب أوّلا: إمّا بخشب أصغر منه أو ألواح.