وكان لعامّة بغداد أيضا فنّ من الشعر يسمّونه المواليا، وتحته فنون كثيرة يسمّون منها القوما، وكان وكان، ومنه مفرد ومنه في بيتين، ويسمّونه دو بيت على الاختلاف المعتبرة عندهم في كلّ واحد منها، وغالبها مزدوجة من أربعة أغصان. وتبعهم في ذلك أهل مصر القاهرة وأتوا فيها بالغرائب، وتبحّروا فيها في أساليب البلاغة بمقتضى لغتهم الحضريّة، فجاءوا بالعجائب، ورأيت في ديوان الصفيّ الحلّي من كلامه «أنّ المواليا من بحر البسيط، وهو ذو أربعة أغصان وأربع قواف، ويسمّى صوتا وبيتين. وأنّه من مخترعات أهل واسط، وأنّ كان وكان فهو قافية واحدة وأوزان مختلفة في أشطاره: الشطر الأوّل من البيت أطول من الشطر الثاني ولا تكون قافيته إلّا مردفة بحرف العلّة وأنّه من مخترعات البغداديّين. وأنشد فيه لنا:
بغمز الحواجب حديث تفسير ومنو أوبو، وأمّ الأخرس تعرف بلغة الخرسان» . انتهى كلام الصفيّ. ومن أعجب ما علق بحفظي منه قول شاعرهم:
هذي جراحي طريا ... والدما تنضح
وقاتلي يا أخيا ... في الفلا يمرح
قالوا ونأخذ بثأرك ... قلت ذا أقبح
إلى جرحتي يداويني ... يكون أصلح
ولغيره:
طرقت باب الخبا قالت من الطارق ... فقلت مفتون لا ناهب ولا سارق
تبسمت لاح لي من ثغرها بارق ... رجعت حيران في بحر أدمعي غارق