الفصال [١] لم يتمّ بقاؤه أصلا. ووجود الصّنائع دون الفكر ممتنع لأنّها ثمرته وتابعة له. وتكلّف ابن سينا في الرّدّ على هذا الرّأي لمخالفته إيّاه وذهابه إلى إمكان انقطاع الأنواع وخراب عالم التّكوين ثمّ عوده ثانيا لاقتضاءات فلكيّة وأوضاع غريبة تنذر في الأحقاب بزعمه فتقتضي تخمير طينة مناسبة لمزاجه بحرارة مناسبة فيتمّ كونه إنسانا ثمّ يقيّض له حيوان يخلق فيه إلهاما لتربيته والحنوّ عليه إلى أن يتمّ وجوده وفصاله. وأطنب في بيان ذلك في الرّسالة الّتي سمّاها رسالة حيّ بن يقظان. وهذا الاستدلال غير صحيح وإن كنّا نوافقه على انقطاع الأنواع لكن من غير ما استدلّ به. فإنّ دليله مبنيّ على إسناد الأفعال إلى العلّة الموجبة. ودليل القول بالفاعل المختار يردّ عليه ولا واسطة على القول بالفاعل المختار بين الأفعال والقدرة القديمة ولا حاجة إلى هذا التّكلّف. ثمّ لو سلّمناه جدلا فغاية ما يبنى عليه اطّراد وجود هذا الشّخص بخلق الإلهام لترتيبه في الحيوان الأعجم. وما الضّرورة الدّاعية لذلك؟ وإذا كان الإلهام يخلق في الحيوان الأعجم فما المانع من خلقه للمولود نفسه كما قرّرناه أوّلا. وخلق الإلهام في شخص لمصالح نفسه أقرب من خلقه فيه لمصالح غيره فكلا المذهبين شاهدان على أنفسهما بالبطلان في مناحيهما لما قرّرته لك والله تعالى أعلم.
[الفصل التاسع والعشرون في صناعة الطب وانها محتاج إليها في الحواضر والأمصار دون البادية]
هذه الصّناعة ضروريّة في المدن والأمصار لما عرف من فائدتها فإنّ ثمرتها حفظ الصّحّة للأصحّاء ودفع المرض عن المرضى بالمداواة حتّى يحصل لهم البرء من أمراضهم. واعلم أنّ أصل الأمراض كلّها إنّما هو من الأغذية كما قال صلّى الله عليه وسلّم في الحديث الجامع للطّبّ وهو قوله: «المعدة بيت الدّاء والحمية