الالتصاق. ثمّ تداوي النّفساء بعد ذلك من الوهن الّذي أصابها بالطّلق وما لحق رحمها من ألم الانفصال، إذ المولود إن لم يكن عضوا طبيعيّا فحالة التّكوين في الرّحم صيّرته بالالتحام كالعضو المتّصل فلذلك كان في انفصاله ألم يقرب من ألم القطع. وتداوي مع ذلك ما يلحق الفرج من ألم من جراحة التّمزيق عند الضّغط في الخروج. وهذه كلّها أدواء نجد هؤلاء القوابل أبصر بدوائها. وكذلك ما يعرض للمولود مدّة الرّضاع من أدواء في بدنه إلى حين الفصال نجدهنّ أبصر بها من الطّبيب الماهر. وما ذاك إلّا لأنّ بدن الإنسان في تلك الحالة إنّما هو بدن إنسانيّ بالقوّة فقط. فإذا جاوز الفصال صار بدنا إنسانيّا بالفعل فكانت حاجته حينئذ إلى الطّبيب أشدّ. فهذه الصّناعة كما تراه ضروريّة في العمران للنّوع الإنسانيّ، لا يتمّ كون أشخاصه في الغالب دونها. وقد يعرض لبعض أشخاص النّوع الاستغناء عن هذه الصّناعة، إمّا بخلق الله ذلك لهم معجزة وخرقا للعادة كما في حقّ الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أو بإلهام وهداية يلهم لها المولود ويفطر عليها فيتمّ وجودهم من دون هذه الصّناعة. فأمّا شأن المعجزة من ذلك فقد وقع كثيرا. ومنه ما روي أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولد مسرورا مختونا واضعا يديه على الأرض شاخصا ببصره إلى السّماء. وكذلك شأن عيسى في المهد وغير ذلك. وأمّا شأن الإلهام فلا ينكر. وإذا كانت الحيوانات العجم تختصّ بغرائب الإلهامات كالنّحل وغيرها فما ظنّك بالإنسان المفضّل عليها. وخصوصا بمن اختصّ بكرامة الله. ثمّ الإلهام العامّ للمولودين في الإقبال على الثّدي أوضح شاهد على وجود الإلهام العامّ لهم. فشأن العناية الإلهيّة أعظم من أن يحاط به. ومن هنا يفهم بطلان رأي الفارابيّ وحكماء الأندلس فيما احتجّوا به لعدم انقراض الأنواع واستحالة انقطاع المكوّنات. وخصوصا في النّوع الإنسانيّ، وقالوا: لو انقطعت أشخاصه لاستحال وجودها بعد ذلك لتوقّفه على وجود هذه الصّناعة الّتي لا يتمّ كون الإنسان إلّا بها. إذ لو قدّرنا مولودا دون هذه الصّناعة وكفالتها إلى حين