ذلك شاغلا له عنهم. فبادر يغمراسن بإجابتهم وتردّدت الرسل إليه من الطاغية ومنه إلى الطاغية كما نذكره. وبثّ السرايا والبعوث في نواحي المغرب، فشغل يعقوب عن شأن الجهاد حتى لقد سأله المهادنة وأن يفرغ لجهاد العدوّ فأبى عليه. وكان ذلك مما دعا يعقوب إلى الصمود إليه ومواقعته بخرزوزة كما ذكرناه. ولم يزل شأنهم ذلك مع يعقوب بن عبد الحق وأيديهم متصلة عليه من كل جهة، وهو ينتهز الفرص في كل واحد منهم متى أمكنه حتى هلك وهلكوا. والله وارث الأرض ومن عليها سبحانه.
(الخبر عن شأن يغمراسن مع الخلفاء من بني أبي حفص الّذي كان يقيم بتلمسان دعوتهم ويأخذ قومه بطاعتهم)
كان زناتة يدينون بطاعة خلفاء الموحّدين من بني عبد المؤمن أيام كونهم بالقفار، وبعد دخولهم إلى التلول. فلما فشل أمر بني عبد المؤمن ودعا الأمير أبو زكريا بن أبي حفص بإفريقية لنفسه، ونصب كرسيّ الخلاف للموحدين بتونس انصرفت إليه الوجوه من سائر الآفاق بالعدوتين، وأملوه الكرّة، وأوفد زناتة عليه رسلهم من كل حيّ بالطاعة، ولاذ مغراوة وبنو توجين بظل دعوته ودخلوا في طاعته، واستنهضوه لتلمسان، فنهض إليها وافتتحها سنة أربعين وستمائة ورجع إليها يغمراسن واستعمله عليها وعلى سائر ممالكها، فلم يزل مقيما لدعوته واتبع أثره بنو مرين في إقامة الدعوة له فيما غلبوا عليه من بلاد المغرب، وبعثوا إليه ببيعة مكناسة وتازى والقصر كما نذكره في أخبارهم إلى ما دانوا به ولابنه المستنصر من بعده من خطاب التمويل والإشارة بالطاعة والانقياد حتى غلبوا على مراكش، وخطبوا باسم المستنصر على منابرها حينا من الدهر. ثم تبين لهم بعد تناول تلك القاصية عليه، فعطّلوا منابرهم من أسماء أولئك وأقطعوهم جانب الوداد والموالاة. ثم سموا إلى اللقب والتفنن في الشارة الملوكية كما تقتضيه طبيعة الدول، وأما يغمراسن وبنوه فلم يزالوا آخذين بدعوتهم واحدا بعد واحد متجافين عن اللقب أدبا معهم، مجدّدين البيعة لكل من يتجدّد قيامه بالخلافة، منهم يوفدون بها كبار أبنائهم وأولى الرأي من قومهم ولم يزل الشأن ذلك.
ولما هلك الأمير أبو زكريا وقام ابنه محمد المستنصر بالأمر من بعده، وخرج عليه أخوه