الأمير أبو إسحاق في أحياء الزواودة من رياح، ثم غلبهم المستنصر جميعا. ولحق الأمير أبو إسحاق بتلمسان في أهله فأكرم يغمراسن نزلهم وأجاز إلى الأندلس للمرابطة بها، والجهاد حتى إذا هلك المستنصر سنة سبع وسبعين وستمائة واتصل به خبر مهلكه ورأى انه أحق بالأمر فأجاز البحر من حينه ونزل بمرسى هني [١] سنة سبع وسبعين وستمائة ولقّاه يغمراسن مبرّة وتوقيرا، واحتفل لقدومه وأركب الناس لتلقّيه، وأتاه ببيعته على عادته مع سلفه، ووعده النصرة على عدوه والمؤازرة على أمره. وأصهر إليه يغمراسن في إحدى بناته المقصورات في خيام الخلافة بابنه عثمان ولي عهده. وأسعفه وأجمل في ذلك وعده. وانتقض محمد بن أبي هلال عامل بجاية على الواثق، وخلع طاعته ودعا للأمير أبي إسحاق واستحثّه للقدوم، فأغذّ إليه السير من تلمسان وكان من شأنه ما قدّمناه في أخباره فلما كانت سنة إحدى وثمانين وستمائة وزحف يغمراسن إلى بلاد مغراوة، وغلبهم على الضواحي والأمصار، بعث من هنالك ابنه إبراهيم وتسميه زناتة برهوم، ويكنّى أبا عامر أوفده في رجال من قومه على الخليفة أبي إسحاق لإحكام الصهر بينهما، فنزلوا منه على خير نزل من إسناء الجراية، ومضاعفة الكرامة والمبرّة، وظهر من آثاره في حروب ابن أبي عمارة ما مدّ الأعناق إليه وقصّر الشيم الزناتية على بيته. ثم انقلب آخرا بظعينته محبوّا محبورا، وابتنى بها عثمان لحين وصولها وأصبحت عقيلة قصره، فكان ذلك مفخرا لدولته وذكرا له ولقومه. ولحق الأمير أبو زكريا ابن الأمير أبي إسحاق بتلمسان بعد خلوصه من مهلك قومه في واقعة الدعيّ ابن أبي عمارة عليهم بمرماجنّة جنّة سنة اثنتين وثمانين وستمائة فنزل من عثمان بن يغمراسن صهره خير نزل برّا واحتفاء وتكريما وملاطفة. وسرّبت إليه أخته من القصر أنواع التحف والانس، ولحق به أولياؤهم من صنائع دولتهم وكبيرهم أبو الحسن محمد بن الفقيه المحدّث أبي بكر بن سيّد الناس اليعمريّ، فتفيئوا من كرامة الدولة بهم ظلا وارفا واستنهضوه إلى تراث ملكه. وفاوض أبا مثواه عثمان بن يغمراسن في ذلك، فنكره لما كان قد أخذه بدعوة الحضرة. أوفد عليه رجال دولته بالبيعة على العادة في ذلك، فحدّث الأمير أبو زكريا نفسه بالفرار عنه. ولحق بداود ابن هلال بن عطاف أمير البدو من بني عامر إحدى بطون زغبة، فأجاره وأبلغه مأمنه