للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حضرته. وسألوا منه الاذن في اللحاق بتلمسان حياء من كبر ما ارتكبوه، فأذن لهم، وأجازوا البحر إلى الأندلس، وخالفهم عامر بن إدريس لما أنس من صاغية السلطان إليه، فتخلّف عنهم بتلمسان حتى توثق لنفسه بالعهد وعاد الى قومه بعد منازلة السلطان بتلمسان كما نذكره الآن.

واحتلّ بنو إدريس وعبد الله وابن عمهم أبو عياد بأندلس على حين أقفر من الحامية جوها، واستأسد العدوّ على ثغرها. وغلبت شفاههم فاحتلّوها أسودا ضارية، وسيوفا ماضية، معوّدين لقاء الأبطال وقراع الحتوف والنزال. مستغلظين بخشونة البداوة وصرامة العز وبسالة التوحّش فعظمت نكايتهم في العدوّ واعترضوا شجي في صدره دون الوطن الّذي كان طعمه له في ظنّه، وارتدّوه على عقبه، ونشطوا من همم المسلمين المستضعفين وراء البحر وبسطوا من آمالهم لمدافعة طاغيتهم. وزاحموا أمير الأندلس في رياستها بمنكب، فتجافى لهم عن خطّة الحرب ورياسة الغزاة من أهل العدوة من أعياصهم وقبائلهم ومن سواهم من أمم البرابرة، وتناقلوه وساهموه في الجباية لفرط العطاء والديوان، فبذله لهم واستمدّوا على العدوّ [١] وحسن أثرهم فيها كما نذكره بعد في أخبار القرابة. ثم أعمل السلطان نظره في غزو تلمسان على ما نذكره إن شاء الله تعالى.

الخبر عن حركة السلطان أبي يوسف الى تلمسان وواقعيته على يغمراسن وقومه بايسيلى

لما غلب السلطان أبو يوسف على بني عبد المؤمن وفتح مراكش واستولى على ملكهم سنة ثمان وستين وستمائة وعاد إلى فاس كما ذكرناه، تحرّك ما كان في نفسه من ضغائن يغمراسن وبني عبد الواد، وما أسفوا به من تخذيل عزائمه ومجادلته [٢] عن قصده.

ورأى أنّ واقعة تلاغ لم تشف صدره، ولا أطفأت نار موجدته، فأجمع أمره على غزوهم. واقتدر بما صار إليه من الملك والسلطان على حشد أهل المغرب لحربهم وقطع دابرهم، فعسكر بفاس، وسرّح ولده وولّي عهده أبا مالك إلى مراكش في


[١] وفي نسخة ثانية: واستمروا على ذلك لهذا العهد.
[٢] وفي نسخة اخرى: مجاذبته.

<<  <  ج: ص:  >  >>