خواصّه ووزرائه حاشدين في مدائنها وضواحيها وقبائل العرب والمصامدة وبني ورا وغمرة وصنهاجة، وبقايا عساكر الموحدين بالحضرة، وحامية الأمصار من جند الروم وناشبة الغزو فاستكثر من أعدادهم واستوفى حشدهم. واحتفل السلطان بحركته وارتحل عن فاس سنة سبعين وستمائة وتلوم بملوية إلى أن لحقته الحشود وتوافت إليه أمداد العرب من قبائل جشم أهل تامسنا الذين هم سفيان والخلط والعاصم، وبنو جابر ومن معهم من الأثبج، وقبائل ذوي حسّان والشبانات من المعقل أهل السوس الأقصى، وقبائل رياح أهل أزغار والهبط. فاعترض هنالك عساكر وعبّى مواكبه، فيقال بلغت ثلاثين ألفا. وارتحل يريد تلمسان، ولما انتهى إلى أنكاد [١] وافته رسل ابن الأحمر هنالك ووفد المسلمين بالأندلس صريخا على العدوّ يستجيشون بإخوانهم المسلمين ويسألونهم الإعانة، فتحرّكت همته للجهاد ونصر المسلمين من عدوّهم. ونظر في صرف الشواغل عن ذلك، وجنح إلى السلم مع يغمراسن، وصوّب الملاء في ذلك رأيه لما كانوا عليه من إيثار الجهاد. وانتدب جماعة من المشيخة إلى السعي في صلاح ذات بينهما، وانكفأ من غرب عدوتهما.
وساروا إلى يغمراسن فوافوه بظاهر تلمسان وقد أخذ أهبته واستعدّ للقاء. واحتشد زناتة أهل ممالكه بالشرق من بني عبد الواد وبني راشد ومغراوة وأحلافهم من العرب زغبة. فلجّ في ذلك واستكبر وصم عن إسعافهم. وزحف في جموعه، والتقى الجمعان بوادي ايسيلي من بسائط وجدة، والسلطان أبو يوسف قد عبى كتائبه، ورتّب مصافه وجعل ولديه الأميرين أبا مالك وأبا يعقوب في الجناحين، وسار في القلب، فدارت بينهم حرب شديدة انجلت عن هلاك فارس بن يغمراسن، وجماعة من بني عبد الواد. وكاثرهم حشود المغرب الأقصى وقبائله، وعساكر الموحدين والبلاد المراكشية، فولوا الأدبار. وهلك عامّة عسكر الروم لثباتهم بثبات السلطان فطحنتهم رحى الحرب. وتقبّض على قائدهم بيرنيس. ونجا يغمراسن بن زيان في فلّه مدافعا دون أهله إلى تلمسان. ومرّ بفساطيطه، فأضرمها نارا، وانتهب معسكره، واستبيحت حرمه. وأقام السلطان أبو يوسف على وجدة حتى خرّبها وأصرع بالتراب
[١] انكاد: مدينة قرب تلمسان من بلاد البربر من أرض المغرب، كانت لعليّ بن أحمد قديما، ذات سور من تراب في غاية الارتفاع والعرض، وواديها يشقها نصفين، منها الى تاهرت بالعرض مشرقا ثلاث مراحل (معجم البلدان) .