[رحلة زين الدين نائب الموصل إلى أربل واستبداد قطب الدين بملكه]
قد كان تقدّم لنا أنّ نصير الدين جقري كان نائب الأتابك زنكي بالموصل وقتل البارسلان ابن السلطان محمود آخر سنة تسع وثلاثين وخمسمائة طمعا في الملك لغيبة الأتابك فرجع من غيبته في حصار البيرة وقدم مكانه زين الدين عليّ بن كمستكين بقلعة الموصل فلم يزل بها بقية أيام الأتابك وأيام ابنه غازي وابنه الآخر قطب الدين سنة ثمان وخمسين على وزيرهم جمال الدين محمد بن علي بن منصور الأصبهاني فاعتقله وهلك لسنة من الاعتقال وحمل إلى المدينة النبويّة على ساكنها أفضل الصلاة وأتمّ التسليم فدفن بها في رباط هناك أعدّه لذلك وكانت وفاته أيام سيف الدين غازي بن قطب الدين فولي مكانه جلال الدين أبا الحسن ابنه وكان زين الدين علي بن كمستكين ويعرف بكجك قد استبدّ في دولة قطب الدين واستغل بحكم الدولة وصارت بيده أكثر البلاد اقطاعا مثل أربل وشهرزور والقلاع التي في تلك البلاد الهكارية منها العماديّة وغيرها والحميدية وتكريت وسنجار وقد كان نقل أهله وولده وذخائر إلى أربل وأقام بمحلها نيابته من قلعة الموصل فأصابه الكبر وطرقه العمى والصمم فعزم على مفارقة الموصل إلى كسر بيته بأربل فسلم جميع البلاد التي بيده إلى قطب الدين ما عدا أربل وسار إليها سنة أربع وستين وأقام قطب الدين مكانه فخر الدين عبد المسيح خصيا من موالي جدّه الأتابك زنكي وحكمه في دولته فنزل بالقلعة وعمرها وكان الخراب قد لحقها بإهمال زين الدين أمر البناء والله تعالى أعلم.
[حصار نور الدين قلعة الكرك]
ثم بعث صلاح الدين سنة خمس وستين إلى نور الدين محمود يطلب إنفاذ أبيه نجم الدين أيوب إليه فبعثه في عسكر واجتمع إليه خلق من التجار ومن أصحاب صلاح الدين وخشي عليهم نور الدين في طريقهم من الإفرنج فسارت العساكر إلى الكرك وهو حصن اختطه من الإفرنج البرنس إرقاط واختط له قلعة فحاصره نور الدين وجمع له الإفرنج فرحل إلى مقدمتهم قبل أن يتلاحقوا فخاموا عن لقائه ونكصوا على أعقابهم وسار في بلادهم فاكتسحها وخرب ما مرّ به من القلاع وانتهى إلى بلاد المسلمين حتى نزل حوشب وبعث