للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بماردة وأخرج عامل الحكم فسار إليه الحكم وحاصره وجاءه الخبر بعصيان أهل قرطبة فرجع وقتلهم. ثم استنزل أصبغ من بعد ذلك وأنزله قرطبة. وفي سنة اثنتين وتسعين جمع لزريق بن قار له ملك الفرنج وسار لحصار طرسوسة [١] فبعث الحكم ابنه عبد الرحمن في العساكر فهزمه وفتح الله على المسلمين. ثم عاود أهل ماردة الخلاف عن الحكم سنة أربع وتسعين فسار إليهم وقاتلهم ثلاث سنين. وكثر عيث الفرنج في الثغور فسار إليهم سنة ست وتسعين فافتتح الحصون، وخرّب النواحي وأثخن في القتل والسبي والنهب وعاد إلى قرطبة ظافرا. وفي سنة مائتين بعث الحكم العساكر مع الحاجب عبد الكريم بن مغيث إلى بلاد الفرنج فسار فيها وخرّبها ونهبها وهدم عدّة من حصونها، وأقبل إليه ملك الجلالقة في جموع عظيمة وتنازلوا على نهر واقتتلوا عليه أياما، ونال المسلمون منهم أعظم النيل، وأقاموا على ذلك ثلاث عشرة ليلة، ثم كثرت الأمطار ومدّ النهر وقفل المسلمون ظافرين.

[(وفاة الحكم وولاية ابنه عبد الرحمن الأوسط)]

ثم توفي الحكم بن هشام آخر سنة ست ومائتين لسبع وعشرين سنة من ولايته، وهو أوّل من جنّد بالأندلس الأجناد والمرتزقة، وجمع الأسلحة والعدد، واستكثر من الحشم والحواشي، وارتبط الخيول على بابه واتّخذ المماليك، وكان يسمّيهم الخرس لعجمتهم، وبلغت عدّتهم خمسة آلاف، وكان يباشر الأمور بنفسه، وكانت له عيون يطالعونه بأحوال الناس. وكان يقرّب الفقهاء والعلماء والصالحين، وهو الّذي وطأ الملك لعقبه بالأندلس. ولما مات قام بأمره من بعده ابنه عبد الرحمن فخرج عليه لأوّل إمارته عبد الله البلنسي عمّ أبيه، وسار إلى تدمير يريد قرطبة فتجهّز له عبد الرحمن فحام عن اللقاء، ورجع إلى بلنسية ومات أثر ذلك فنقل عبد الرحمن ولده وأهله إلى قرطبة. ثم غزا لأوّل ولايته إلى جليقة فأبعد وأطال الغيبة وأثخن في أمم


[١] لعلها طرسونة أو طرطوشة: الاولى: مدينة بالأندلس بينها وبين تطيلة اربعة فراسخ، معدودة في أعمال تطيلة يسكنها العمال ومقاتلة المسلمين. أما طرطوشة: مدينة بالأندلس تتصل بكورة بلنسية وهي شرقي بلنسية وقرطبة، قريبة من البحر متقنة العمارة مبينة على ابره (معجم البلدان) والمدينة المقصودة هنا هي طرطوشة كما في الكامل لابن الأثير ج ٦ ص ٢٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>