للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويجاورهم من أمم النصرانية، وأقلعوا من جنوة فحطّوا بمرسى المهديّة منتصف اثنتين وتسعين وسبعمائة وطرقوها على حين غفلة وهو على طرف البرّ داخل في البحر كأنه لسان دالع فأرسوا عندها، وضربوا عند أوّل الطرق سورا من الخشب بينه وبين البر حتى صار المعقل في حكمهم، وعالوا عليه بالأبراج وشحنوها بالمقاتلة ليتمكّنوا من قتال البلد ومن يأتيهم من مدد المسلمين، وصنعوا برجا من الخشب من جهة البحر يشرف على أسوار المعقل لتعظم نكايتهم، وتحصّن أهل البلد وقاتلوهم صابرين محتسبين.

وتوافت إليهم الأمداد من نواحي البلد فحال دونهم الفرنجة.

وبلغ الخبر إلى السلطان فأهمّه أمرها وسرّح العساكر تترى إلى مظاهرتهم. ثم خرج أخوه الأمير أبو يحيى زكريا وسائر بنيه فيمن حضره من العساكر فانطلقوا لجهاد هذا العدوّ، واستنفر المقاتلة من الأعراب وغيرهم فاجتمعت بساحتها أمم، وألحّوا على الفرنجة بالقتال ونضح السهام حتى أحجروهم في سورهم. وبرز الفرنجة للقتال فكان بينهم وبين المسلمين جولة جلّى فيها أبناء السلطان، وكاد الأمير أبو فارس منهم أن يتورّط لولا حماية الله التي وقته. ثم تداركت عليهم الحجارة والسهام والنفط من أسوار البلد فاحترق البرج المطل عليها من جهة البحر فوجموا لحريقه. ثم ركبوا من الغد أسطولهم وأقلعوا إلى بلادهم، وخرج أهل المهديّة يتباشرون بالنجاة ويتنادون بشكر الأمراء على ما اعتمدوه في نصرهم، «وَرَدَّ الله الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً، وَكَفَى الله الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ» ٣٣: ٢٥. وأمر الأمير أبو يحيى برمّ ما تثلّم من أسوارها، ولم ما تشعّث منها، وقفل إلى تونس وقد أنجح الله قصدهم وأظهرهم على عدوّه وعدوّهم، والله تعالى ينصر من يشاء وهو القوي العزيز.

[(انتقاض قفصة وحصارها)]

كان السلطان أبو العبّاس قد ولّى على قفصة عند ما ملكها ابنه الأمير أبا بكر وأقام في خدمته من رجال دولتهم عبد الله التريكي من موالي جدّهم السلطان أبي يحيى فانتظم به أمره وأقام بها حولا. ثم تجافى عن إمارتها ولحق بأبيه بتونس سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة فجعل السلطان أمر قفصة لعبد الله التريكي وولّاه عليها ثقة بغنائه واضطلاعه. ولم يزل بها واليا إلى أن هلك سنة أربع وتسعين وسبعمائة وولّى السلطان

<<  <  ج: ص:  >  >>