[(الخبر عن فتح مراكش ومهلك أبي دبوس وانقراض دولة الموحدين من المغرب)]
لما رجع السلطان أبو يوسف من حرب يغمراسن ورأى أن قد كفى عدوّه وكف غربة وردّ من كيده وكيد أبي دبوس صريخه، صرف حينئذ عزائمه إلى غزو مراكش، والعودة إلى مضايقتها كما كان لأول أمره، ونهض لغزاته من فاس في شعبان من سنته. ولما جاوزوا أمّ الربيع، بثّ السرايا وسرّح الغارات، وأطلق الأيدي والأعنة للنهب والعيث، فحطّموا زروعها وانتسفوا آثارها، وتقرى نواحيها كذلك بقية عامة.
ثم غزا عرب الخلط من جشم بتادلا، فأثخن فيهم واستباحهم. ثم نزل وادي العبيد، ثم غزا بلاد صنهاجة، ولم يزل ينقل ركابه بأنحاء البلاد المراكشية وأحوازها حتى حضرت صدور بني عبد المؤمن وقومه، وأغزاهم أولياء الدولة من عرب جشم بنهوض الخليفة لمدافعة عدوّه، فجمع لذلك وبرز في جيوش ضخمة وجموع وافرة، واستجرّه أبو يوسف بالفرار أمامه ليبعد عن مدد الصريخ، فيستمكن منه حتى نزل عفو. ثم كرّ إليه والتحم القتال فاختل مصافه وفرّت عساكره. وانهزم يريد مراكش فأدركوه دون أمله. واعتاقه أجله، فطعن في مفرّه وخرّ صريعا لليدين وللفم واجتز رأسه. وهلك بمهلكه وزيره عمران وكاتبه عليّ بن عبد الله المغيلي. وارتحل السلطان أبو يوسف إلى مراكش وفرّ من كان بها من الموحدين، فلحقوا بجبل تين ملّل، وبايعوا إسحاق أخا المرتضى، فبقي ذبالة هنالك سنين. ثم تقبّض عليه سنة أربع وسبعين وستمائة، وسيق إلى السلطان هو وأبو سعيد ابن عمّه السيد أبي الربيع والقبائلي وأولاده فقتلوا جميعا. وانقرض أمر بني عبد المؤمن. والله وارث الأرض ومن عليها.
وخرج الملاء وأهل الشورى من الحضرة إلى السلطان فأمّنهم ووصلهم. ودخل مراكش في بروز فخم فاتح سنة ثمان وستين وستمائة وورث ملك آل عبد المؤمن وتولّاه. واستوسق أمره بالمغرب، وتطامن الناس لبأسه، وسكنوا لظلّ سلطانه. وأقام بمراكش إلى رمضان من سنته، وأغزى ابنه الأمير أبا مالك إلى بلاد السوس فافتتحها وأوغل في ديارها ودوّخ أقطارها، ثم خرج بنفسه إلى بلاد درعة فأوقع بهم