من المال والسلاح وأعدادا وافرة من الخيل بمراكبها للحملان، ولم يزل ذلك دأبه معهم. ولما فعل أبو دبّوس فعلته في نقض العهد واستجمع السلطان لمنازلته، قدم بين يدي عمله مراسلة الخليفة المستنصر يخبره الخبر ويتلطّف له في استنزال المدد، فأوفد عليه ابن أخيه عامر بن إدريس بن عبد الحق، وأصحبه عبد الله بن كندوز لعبد الواد كبير بني كمي، وقريع يغمراسن الّذي ثأر يغمراسن من أبيه كندوز بأبيه زيان كما ذكرناه في أخبارهم. وكان خلص إليه من حضرة المستنصر فلقاه مبرّة وتكريما، وأوفد معهم الكاتب أبا عبد الله محمد الكناني من صنائع دولة آل عبد المؤمن، كان نزع إلى أخيه الأمير أبي يحيى لما رأى من اختلال الدولة، وأنزله مكناسة وآثره بالصحبة والخلّة، فجمع له يعقوب بن عبد الحق في هذا الوفد من الأشراف من يحسن الرئاسة، ويعرب عما في ضمائر الناس، ويدله على شرف مرسلة. فوفدوا على المستنصر سنة خمس وستين وستمائة وأدّوا رسالتهم وحركوا له جوار المظاهرة على صاحب مراكش وكبح عنانه، فحنّ واهتز سرورا من أعواده، ولقاهم مبرّة التكريم وإحسان النزل، وردّ الأمير عامر بن إدريس وعبد الله بن كندوز لوقتهما. وتمسّك بالكناني من بينهم لمصاحبة وفده، فطال مقامه عنده إلى أن كان من فتح مراكش ما نذكره.
ثم أوفد المستنصر على السلطان يعقوب بن عبد الحق آخر سنة تسع وستين وستمائة بعدها شيخ الجماعة من الموحّدين لعهده أبا زكريا يحيى بن صالح الهنتاني مع جماعة من مشيخة الموحدين في مرافقة محمد الكناني، وبعث معهم إلى السلطان هدية سنيّة يلاطفه بها ويتاحفه، انتخب فيها من الجياد والسلاح وأصناف الثياب الغريبة العمل ما انتقاه. ووفق رضاه وهمته على الاستكثار منه، فحسن موقعها وتحدّث وانقلب وفده أحسن منقلب بعد أن تلطّف محمد الكناني في ذكر الخليفة المستنصر على منبر مراكش، فتم له، وشهد له وفد الموحّدين فعظم سرورهم وانقلبوا محبورين مسرورين، واتصلت بعد ذلك مهاداة المستنصر ليعقوب بن عبد الحق إلى أن هلك، وحذا ابنه الواثق من بعده على سننه، فبعث إليه سنة سبع وسبعين وستمائة هدية حافلة، بعث بها القاضي أبا العباس الغماريّ قاضي بجاية فعظم موقعها، وكان لأبي العبّاس الغماري بالمغرب ذكر تحدّث به الناس والله أعلم