الباجربقيّ من هذا النّوع. ولقد سألت أكمل الدّين ابن شيخ الحنفيّة من العجم بالدّيار المصريّة عن هذه الملحمة وعن هذا الرّجل الّذي تنسب إليه من الصّوفيّة وهو الباجربقيّ وكان عارفا بطرائقهم فقال كان من القلندريّة المبتدعة في حلق اللّحية وكان يتحدّث عمّا يكون بطريق الكشف ويومي إلى رجال معيّنين عنده ويلغز عليهم بحروف يعيّنها في ضمنها لمن يراه منهم وربّما يظهر نظم ذلك في أبيات قليلة كان يتعاهدها فتنوقلت عنه وولع النّاس بها وجعلوها ملحمة مرموزة وزاد فيها الخرّاصون من ذلك الجنس في كلّ عصر وشغل العامّة بفكّ رموزها وهو أمر ممتنع إذ الرّمز إنّما يهدي إلى كشفه قانون يعرف قبله ويوضع له وأمّا مثل هذه الحروف فدلالتها على المراد منها مخصوصة بهذا النّظم لا يتجاوزوه فرأيت من كلام هذا الرّجل الفاضل شفاء لما كان في النّفس من أمر هذه الملحمة «وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا الله ٧: ٤٣» والله سبحانه وتعالى أعلم وبه التّوفيق.
[الباب الرابع من الكتاب الأول في البلدان والأمصار وسائر العمران وما يعرض في ذلك من الأحوال وفيه سوابق ولواحق]
[الفصل الأول في أن الدول من المدن والأمصار وأنها إنما توجد ثانية عن الملك]
وبيانه أنّ البناء واختطاط المنازل إنّما من منازع الحضارة الّتي يدعو إليها التّرف والدّعة كما قدّمناه وذلك متأخّر عن البداوة ومنازعها وأيضا فالمدن