للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل الثامن والعشرون في انقلاب الخلافة إلى الملك]

اعلم أنّ الملك غاية طبيعية للعصبيّة ليس وقوعه عنها باختيار إنّما هو بضرورة الوجود وترتيبه كما قلناه من قبل وأنّ الشّرائع والدّيانات وكلّ أمر يحلّ عليه الجمهور فلا بدّ فيه من العصبيّة إذ المطالبة لا تتمّ إلّا بها كما قدّمناه.

فالعصبيّة ضروريّة للملّة وبوجودها يتمّ أمر الله منها وفي الصّحيح «ما بعث الله نبيّا إلّا في منعة من قومه» ثمّ وجدنا الشّارع قد ذمّ العصبيّة وندب إلى اطّراحها وتركها فقال «إنّ الله أذهب عنكم عبّيّة [١] الجاهليّة وفخرها بالآباء أنتم بنو آدم وآدم من تراب» وقال تعالى «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقاكُمْ ٤٩: ١٣» ووجدناه أيضا قد ذمّ الملك وأهله ونعى على أهله أحوالهم من الاستمتاع بالخلاق [٢] والإسراف في غير القصد والتّنكّب عن صراط الله وإنّما حضّ على الألفة في الدّين وحذّر من الخلاف والفرقة، واعلم أنّ الدّنيا كلّها وأحوالها مطيّة للآخرة ومن فقد المطيّة فقد الوصول، وليس مراده فيما ينهى عنه أو يذمّه من أفعال البشر أو يندب إلى تركه إهماله بالكليّة أو اقتلاعه من أصله وتعطيل القوى الّتي ينشأ عليها بالكلّيّة إنّما قصده تصريفها في أغراض الحقّ جهد الاستطاعة حتّى تصير المقاصد كلّها حقّا وتتّحد الوجهة كما قال صلّى الله عليه وسلّم «من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوّجها فهجرته إلى ما هاجر إليه» فلم يذمّ الغضب وهو يقصد نزعه من الإنسان فإنّه لو زالت منه قوّة الغضب لفقد منه الانتصار للحقّ وبطل الجهاد وإعلاء كلمة الله وإنّما يذمّ الغضب


[١] عبة بضم العين وكسرها الموحدة المشددة وتشديد المثناة التحتية الكبر والفخر والنخوة أهـ- قاموس.
[٢] الخلاق: النصيب الوافر من الخير، وبكسر الخاء نوع من الطيب أعظم أجزائه الزعفران.

<<  <  ج: ص:  >  >>