للشّيطان وللأغراض الذّميمة فإذا كان الغضب لذلك كان مذموما وإذا كان الغضب في الله وللَّه كان ممدوحا وهو من شمائله صلّى الله عليه وسلّم وكذا ذمّ الشّهوات أيضا ليس المراد إبطالها بالكلّيّة فإنّ من بطلت شهوته كان نقصا في حقّه وإنّما المراد تصريفها فيما أبيح له باشتماله على المصالح ليكون الإنسان عبدا متصرّفا طوع الأوامر الإلهيّة وكذا العصبيّة حيث ذمّها الشّارع وقال:«لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ ٦٠: ٣» فإنّما مراده حيث تكون العصبيّة على الباطل وأحواله كما كانت في الجاهليّة وأن يكون لأحد فخر بها أو حقّ على أحد لأنّ ذلك مجان من أفعال العقلاء وغير نافع في الآخرة الّتي هي دار القرار فأمّا إذا كانت العصبيّة في الحقّ وإقامة أمر الله فأمر مطلوب ولو بطل لبطلت الشّرائع إذ لا يتمّ قوامها إلّا بالعصبيّة كما قلناه من قبل وكذا الملك لمّا ذمّه الشّارع لم يذمّ منه الغلب بالحقّ وقهر الكافّة على الدّين ومراعاة المصالح وإنّما ذمّه لما فيه من التّغلّب بالباطل وتصريف الآدميّين طوع الأغراض والشّهوات كما قلناه، فلو كان الملك مخلصا في غلبه للنّاس أنّه للَّه ولحملهم على عبادة الله وجهاد عدوّه لم يكن ذلك مذموما وقد قال سليمان صلوات الله عليه «وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ من بَعْدِي ٣٨: ٣٥» لما علم من نفسه أنّه بمعزل عن الباطل في النّبوة والملك. ولمّا لقي معاوية عمر بن الخطّاب رضي الله عنهما عند قدومه إلى الشّام في أبّهة الملك وزيّه من العديد والعدّة استنكر ذلك وقال:«أكسرويّة يا معاوية؟» فقال: «يا أمير المؤمنين أنا في ثغر تجاه العدوّ وبنا إلى مباهاتهم بزينة الحرب والجهاد حاجة» فسكت ولم يخطّئه لما احتجّ عليه بمقصد من مقاصد الحقّ والدّين فلو كان القصد رفض الملك من أصله لم يقنعه الجواب في تلك الكسرويّة وانتحالها بل كان يحرّض على خروجه عنها بالجملة وإنّما أراد عمر بالكسرويّة ما كان عليه أهل فارس في ملكهم من ارتكاب الباطل والظّلم والبغي وسلوك سبله والغفلة عن الله وأجابه معاوية بأنّ القصد بذلك ليس كسرويّة فارس وباطلهم وإنّما قصده بها وجه الله