للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فسكت، وهكذا كان شأن الصّحابة في رفض الملك وأحواله ونسيان عوائده حذرا من التباسها بالباطل فلمّا استحضر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استخلف أبا بكر على الصّلاة إذ هي أهمّ أمور الدّين وارتضاه النّاس للخلافة وهي حمل الكافّة على أحكام الشّريعة ولم يجر للملك ذكر لما أنّه مظنّة للباطل ونحلة يومئذ لأهل الكفر وأعداء الدّين فقام بذلك أبو بكر ما شاء الله متّبعا سنن صاحبه وقاتل أهل الرّدّة حتّى اجتمع العرب على الإسلام ثمّ عهد إلى عمر فاقتفى أثره وقاتل الأمم فغلبهم وأذن للعرب بانتزاع ما بأيديهم من الدّنيا والملك فغلبوهم عليه وانتزعوه منهم ثمّ صارت إلى عثمان بن عفّان ثمّ إلى عليّ رضي الله عنهما والكلّ متبرّءون من الملك منكّبون عن طرقه وأكّد ذلك لديهم ما كانوا عليه من غضاضة الإسلام وبداوة العرب فقد كانوا أبعد الأمم عن أحوال الدّنيا وترفها لا من حيث دينهم الّذي يدعوهم إلى الزّهد في النّعيم ولا من حيث بداوتهم ومواطنهم وما كانوا عليه من خشونة العيش وشظفه الّذي ألفوه، فلم تكن أمّة من الأمم أسغب عيشا من مضر لمّا كانوا بالحجاز في أرض غير ذات زرع ولا ضرع وكانوا ممنوعين من الأرياف وحبوبها لبعدها واختصاصها بمن وليها من ربيعة واليمن فلم يكونوا يتطاولون إلى خصبها ولقد كانوا كثيرا ما يأكلون العقارب والخنافس ويفخرون بأكل العلهز وهو وبر الإبل يمهونه [١] بالحجارة في الدّم ويطبخونه وقريبا من هذا كانت حال قريش في مطاعمهم ومساكنهم حتّى إذا اجتمعت عصبيّة العرب على الدّين بما أكرمهم الله من نبوة محمّد صلّى الله عليه وسلّم زحفوا إلى أمم فارس والرّوم وطلبوا ما كتب الله لهم من الأرض بوعد الصّدق فابتزّوا ملكهم واستباحوا دنياهم فزخرت بحار الرّفه لديهم حتّى كان الفارس الواحد يقسم له في بعض الغزوات ثلاثون ألفا من الذّهب أو نحوها فاستولوا من ذلك على ما لا يأخذه الحصر وهم مع ذلك على خشونة عيشهم فكان عمر يرقّع ثوبه بالجلد وكان عليّ يقول:


[١] أي يضربونه بالحجارة حتى يرق.

<<  <  ج: ص:  >  >>