وطبقات الجند. فخرج من تونس سنة تسع وخمسين وستمائة وأغذّ السير إلى مليانة فنازلها مدة، وشد حصارها حتى اقتحموها غلابا. وفر أبو علي الملياني ولحق ببني يعقوب من آل العطاف أحد شعوب زغبة فأجاروه وأجازوه الى المغرب الأقصى، إلى أن كان من خبره ما نذكره بعد.
ودخل الأمير أبو حفص مليانة ومهّد نواحيها وعقد عليها الى ابن منديل أمير مغراوة فملكها مقيما فيها لدعوة السلطان شأن غيرها من عمالات مغراوة. وقفل الأمير أبو حفص إلى تونس، ولقيه بطريقة كتاب السلطان بالعقد له على بجاية وإمارتها، فكره ذلك غبطة بجوار السلطان. وتردّدت في ذلك رغبته فأديل منها بالشيخ أبي هلال عياد بن سعيد الهنتاتيّ، وعقد له على بجاية. ولحق الأمير أبو حفص بالحضرة إلى أن كان من خلافته ما نذكر بعد. وهلك شقيقه أبو بكر بن الأمير أبي زكريا ثانية مقدمه إلى تونس سنة إحدى وستين وستمائة، فتفجّع له الخليفة والقرابة والناس وشهد السلطان جنازته، والبقاء للَّه وحده.
[(الخبر عن فرار أبي القاسم بن أبي زيد ابن الشيخ أبي محمد وخروجه في رياح)]
كان أبو القاسم بن أبي زيد هذا في جملة ابن عمه الخليفة، وتحت جرايته، وأبوه أبو زيد هو القائم بالأمر بعد أبيه الشيخ أبي محمد. ولحق بالمغرب. وجاء أبو القاسم في جملة الأمير أبي زكريا، وأوصى به ابنه إلى أن حدّثته نفسه بالتوثّب والخروج.
وخامرة الرعب من إشاعة تناقلها الدهماء، سببها أن السلطان استحدث سكّة من النحاس مقدرة على قيمته من الفضة، حاكى بها سكّة الفلوس بالمشرق تسهيلا على الناس في المعاملات بإسرافها وتيسيرا لاقتضاء حاجاتهم. ولما كان لحق سكّة الفضة من غش اليهود المتناولين لصرفها وصوغها، وسمى سكّته التي استحدثها بالحندوس.
ثم أفسدها الناس بالتدليس وضربها أهل الريب ناقصة عن الوزن، وفشا فيها الفساد. واشتد السلطان في العقوبة عليها فقطّع وقتل، وصارت ريبة لمن تناولها.
وأعلن الناس بالنكير في شأنها وتنادوا بالسلطان في قطعها وكثر الخوض في ذلك وتوقّعت الفتنة. وأشيع من طريق الحدثان الّذي تكلف به العامة أن الخارج الّذي