للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتجد كثيرا من السّوقة يسعى في التّقرّب من السّلطان بجدّه ونصحه ويتزلّف إليه بوجوه خدمته ويستعين على ذلك بعظيم من الخضوع والتّملّق له ولحاشيته وأهل نسبه، حتّى يرسّخ قدمه معهم وينظّمه السّلطان في جملته فيحصل له بذلك حظّ عظيم من السّعادة وينتظم في عدد أهل الدّولة وناشئة الدّولة حينئذ من أبناء قومها الّذين ذلّلوا أضغانهم [١] ومهّدوا أكنافهم مغترّين بما كان لآبائهم في ذلك من الآثار لم تسمح [٢] به نفوسهم على السّلطان ويعتدّون بآثاره ويجرون في مضمار الدّولة بسببه فيمقتهم السّلطان لذلك ويباعدهم. ويميل إلى هؤلاء المصطنعين الّذين لا يعتدّون بقديم ولا يذهبون إلى دالّة ولا ترفّع. إنّما دأبهم الخضوع له والتّملّق والاعتمال في غرضه متى ذهب إليه فيتّسع جاههم وتعلو منازلهم وتنصرف إليهم الوجوه والخواطر [٣] بما يحصل لهم من قبل [٤] السّلطان والمكانة عنده ويبقى ناشئة الدّولة [٥] فيما هم فيه من التّرفّع والاعتداد بالقديم لا يزيدهم ذلك إلّا بعدا من السّلطان ومقتا وإيثارا لهؤلاء المصطنعين عليهم إلى أن تنقرض الدّولة. وهذا أمر طبيعيّ في الدّولة ومنه جاء شأن المصطنعين في الغالب والله سبحانه وتعالى أعلم وبه التّوفيق لا ربّ سواه.

[الفصل السابع في أن القائمين بأمور الدين من القضاء والفتيا والتدريس والإمامة والخطابة والأذان ونحو ذلك لا تعظم ثروتهم في الغالب]

والسّبب لذلك أنّ الكسب كما قدّمناه قيمة الأعمال وأنّها متفاوتة بحسب الحاجة إليها. فإذا كانت الأعمال ضروريّة في العمران عامّة البلوى به كانت قيمتها أعظم


[١] وفي نسخة أخرى: صعابها.
[٢] وفي نسخة أخرى: تشمخ.
[٣] وفي نسخة أخرى: الخواص.
[٤] وفي نسخة أخرى: من ميل.
[٥] وفي النسخة الباريسية: ناشئة السلطان.

<<  <  ج: ص:  >  >>