قد كنا قدّمنا أنّ نور الدين استولى على بلاد الجزيرة وأقرّ سيف الدين ابن أخيه قطب الدين على الموصل واحتمل معه فخر الدين عبد المسيح الّذي ولّى سيف الدين واستبدّ عليه بأمره وولّى على قلعة الموصل سعد الدين كمستكين ولما استنفرهم نور الدين بين يدي موته سار إليه سيف الدين غازي وكمستكين الخادم في العساكر وبلغهم في طريقهم خبر وفاته وكان كمستكين في المقدّمة فهرب إلى حلب واستولى سيف الدين على مخلفه وسواده وعاد إلى نصيبين فملكها وبعث العساكر إلى الخابور فاستولى عليها وعلى أقطاعها ثم سار إلى حران وبها قايماز الحراني مولى نور الدين فحاصرها أياما ثم استنزله على أن يقطعه حران فلما نزل قبض عليه وملكها ثم سار إلى الرها وبها خادم لنور الدين استسلمها وعوّضه عنها قلعة الزعفرانيّ من جزيرة ابن عمر وانتزعها منه بعد ذلك سار إلى الرقة وسروج فملكها واستوعب بلاد الجزيرة سوى قلعة جعبر لامتناعها وسوى رأس عين كانت لقطب الدين صاحب ماردين وهو ابن خاله وكان شمس الدين علي ابن الداية بحلب وهو من أكبر أمراء نور الدين ومعه العساكر ولم يقدر على مدافعة سيف الدين فخر الدين عبد المسيح وكان نور الدين تركه قبل موته بسيواس مع ذي النون بن الدانشمند فلما مات نور الدين رجع إلى صاحبه سيف الدين غازي وهو الّذي كان ملكه فوجده بالجزيرة وقد ملكها فأشار عليه بالعبور إلى الشام وعارضه آخر من أكبر الأمراء في ذلك فرجع سيف الدين إلى قوله وعاد إلى الموصل وأرشد صلاح الدين إلى الملك الصالح وأهل دولته يعاتبهم حيث لم يستدعوه لمدافعة سيف الدين عن الجزيرة ويتهدّد ابن المقدّم وأهل الدولة على انفرادهم بأمر الملك الصالح دونه وعلى قعودهم عن مدافعة سيف الدين غازي ثم أرسل شمس الدين ابن الداية إلى الملك الصالح يستدعيه من دمشق إلى حلب ليدافع شمس الدين ابن عمه قطب الدين عن الجزيرة فمنعه أمراؤه عن ذلك مخافة أن يستولي عليه ابن الداية والله سبحانه وتعالى أعلم بغيبه.
[حصار الإفرنج بانياس]
ولما مات نور الدين اجتمع الإفرنج وحاصروا قلعة بانياس من أعمال دمشق وجمع شمس الدين بن المقدّم العساكر وسار عن دمشق وراسل الإفرنج وتهدّدهم بسيف الدين صاحب الموصل وصلاح الدين صاحب مصر فصالحوه على مال يبعثه إليهم واشترى من الإفرنج